إما أن ذلك في أول أمرهم ثم صبروا ، وإما أن التضجر من عوامهم والصبر من خواصهم فببركة صبرهم غفر لعوامهم ، وصار الجميع كأنهم صبروا ، وحكم العوام لحكمهم.
وتقدم لابن عرفة مرة أخرى قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) يحتمل أن يكون من كلام الله ؛ يعني داخلا في الأمر فيكون من جملة الموحى به ، ويحتمل أن يكون خبرا عما وقع في الوجود ؛ أي : فألقاها فإذا هي تلقف ، والظاهر الأول لقوله تعالى : في سورة طه (أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) [سورة طه : ٦٩]
قوله تعالى : (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
مع أن وقع الحق يقتضي ما عداه ، فالجواب : أن المراد وقع الشعور بالحق والشعور بالحق لا يستلزم بطلان ما عداه بل قد يكون ما سواه مرجوحا غير باطل ......... (١) فيكون الواقع هو الراجح ، لقوله تعالى : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) احتراس ؛ لأن فرعون كان يقول : هو ربهم.
قوله تعالى : (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ).
دليل على أن من قال : جاء زيد قبل عمرو أنه لا يلزم منه مجيء عمرو لعله لم يجىء البتة ؛ لأن فرعون لم يأذن لهم أولا ولا آخرا.
قوله تعالى : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا ......). (٢) قوله تعالى : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً).
المجاز إما في : (أَفْرِغْ) ، أو في (صَبْراً) ، المعنى إما هيئ لنا صبرا ، أو أفرغ علينا صبرا ما.
قوله تعالى : (أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ).
قال ابن عرفة : اللام للصيرورة ، وهو المناسب لمقالتهم ؛ فالمعنى أتذرهم ليصلحون ، قال : أمرتهم إلى الفساد في الأرض.
__________________
(١) طمس في المخطوطة.
(٢) طمس في المخطوطة.