قيل لابن عرفة : إن أراد الطعن اللازم المؤثر في نفس الأمر فمسلم ، ولكن نقول : نحن إنما أراد الطعن بمعنى الشبهة واقفا غير مصروف حسبما ذكر الفخر كثيرا منه في نهاية العقول ، وقد وعد الله بصرفه فيلزم عليه الحلف في الخبر ؛ فلا بد أن يراد الطعن التام فيبقى السؤال واردا ، قال : وظهر لي أن المراد سأصرفهم عن نيلهم طمعهم في الطعن في آيات الله تعالى ، ونيلهم طمعهم في ذلك ممكن باعتبار اعتقادهم ، كما يطمع الإنسان أن ينزع ولا يصرح شيئا فصرفوا عن نيلهم ذلك الطمع الذي اعتقدوا فيه القدرة على الطعن في الآيات ، وجعل المفسرون هذه المعطوفات تأكيدا وظهر لي أنها تأسيس :
فالأول : الصرف عن الإيمان عنا بها تصديقا.
والثاني : نص ، وهو قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) أي : لا يتصورون طريق الإيمان بها ؛ فهذا الصرف عن تصور طريق الإيمان بها.
والثالث : الضرر من الإيمان بها تقليدا.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا).
في ظاهره تعليل الشيء بنفسه ، وقد ذكر الأصوليون أن العلة غير المعلول ؛ إلا أن يقال : المراد بهذه الآيات المعجزات ، والأول الآيات المنزلة على الرسل.
قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى).
قال أبو حيان : أصله تتخذوا.
قال ابن عرفة : أصله تتخذوا ؛ لأنه من أخذ فأبدلت الهمزة تاء وأدغمت التاء في التاء ولفظ القوم يدخل فيهم هارون ، فإن قلنا : إن أشراف الناس لا يدخلون في مسمى القوم ، فنقول : هو عام باق عمومه ، وإن قلنا : إنهم يدخلون فيكون عاما مخصوصا بهارون.
قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِهِ).
دليل على مبادرتهم بذلك في أول أزمنة البعدية.
قوله تعالى : (مِنْ حُلِيِّهِمْ).
الإضافة إما بمعنى الملك ، أو إضافة ملابسه فهو مملوك لهم إما تنقلا بمعنى أنهم أخذوه حكمهم في تحققه القتال أو ورثوه عنهم ، وإما ملابسة لأنهم لما استعاروه من اللفظ صار كأنه لهم ، والاتخاذ إما فعل أو معنوي ، فإن كان فعليا كما فعله غيره