[سورة الحديد : ٢٠] قال : والجواب بأن ذلك بالنظر إلى الحال ، وهذا بالنظر إلى الحال.
قوله تعالى : (إِذْ هُما فِي الْغارِ).
تكلم ابن عطية هنا في التوكل والمال ، وحكى فيه عن والده وغيره كلاما كثيرا ، وقال القاضي عياض في المدارك لما عرف بيحيى بن يحيى الليثي صاحب مالك : قال قوم ليحيى : يا أبا محمد ، لو توكلنا على الله حق توكله لأتانا بالرزق إلى بيوتنا كما يأتي الطير ، فقال : والله لما كان يأتي عيسى ابن مريم عليهماالسلام البقل البري حيث هو جالس حتى يخرج إلى الصحراء يلتمسه.
وقيل ليحيى : إن من مضى كان يتمنى الفقر ، فأنكر ذلك ، وقال : لا ينبغي لمن يعقل أن يتمنى ما تعوذ منه النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، قال : وكان يحيى يلبس الوشي الرفيع ـ يريد القطن ـ من المال العظيم في الأعياد والدخول على الأمراء ، وانظر ما قيدت في سورة النساء في قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) [سورة النساء : ٥] قال ابن عرفة : وفي الآية ثلاثة أسئلة ، قال :
الأول : إذ أخرجته بلفظ الماضي ، وإذ يقول لصاحبه بلفظ المستقبل مع أنه أيضا ماض؟ وجوابه أن الإخراج فعل الكفار فناسب فيه الانقطاع ؛ فالقول من النبي صلىاللهعليهوسلم فناسب لفظ المضارع المقتضي الدوام لأنها حكاية حال ماضية.
الثاني : قال (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) ونصوا على أن المصيبة إن كانت ماضية التأسف عليها حزن ، وإن كانت مستقبلة فالتفجع منها خوف ، والتحسر في الآية إنما هو في أمر مستقبل متوقع لما ورد في الحديث عن أبي بكر ، أنه قال : لو نظر أحدهم إلى قدميه ، ولم يكن وقع شيء ، فهلا قال له : لا تخف إن الله معنا؟ قال : وجوابه أن هذا الكلام حالة الاستيلاء عليها والإحاطة بها ؛ فمتعلق الحزن واقع ، ولأنه إذا نهي عن التكليف على أمر واقع محقق فأحرى أن ينهي عن التقبيح من أمر مستقبل ممكن أن لا يقع ، وأن لا يقع فالنهي عن الحزن يستلزم النهي عن الخوف من باب أحرى ، وأجاب بعضهم بأن الحزن متعلق بالغير ، والخوف فيما يرجع للنفس ، قال تعالى (لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [سورة النحل : ١٢٧] وكان أبو بكر إنما حزن على النبي صلىاللهعليهوسلم لا على نفسه.
السؤال الثالث : أن الأمثل تقدم العلة على المعلول ، وقال هنا : لا تحزن الله معنا فقدم المعلول عليه ، وجوابه أن المخاطب هنا أبو بكر وهو مصدق لنبينا صلّى الله عليه