هذا تنبيه بالأدنى على الأعلى ؛ لأنهم إذا تضرعوا إليه مع استحضارهم رحمته ورأفته عليهم فأحرى مع استحضارهم قهره وعذابه ، قيل لابن عرفة : ذكر في فريق الكافرين لازم الجزاء ، وذكر هنا نفس الجزاء ، فقال في الأول (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة الرعد : ٥] [سورة الكهف : ١٠٥] ولم يقل (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ولم يقل في الثاني (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فأجيب بوجهين :
الأول : أن في الآية حذف المقابل ؛ أي وهم أصحاب النار ، وفي الثاني (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وهم المفلحون.
الثاني : أن مقام التخويف يكتفى فيه.
قوله تعالى : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ).
احتج هنا المقترح لأهل السنة في أن الله تعالى يخلق الخير والشر ويريدهما ، وأجيب بما قال ابن الأثير من أن ملازمة الشيء للشيء لا تدل على وقوعه ولا على إمكان وقوعه حسبما تقدم في قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [سورة البقرة : ١٠٦] ، وتقدم الرد عليه بأن سياق الآية يدل على ذلك لأنها سيقت للمدح ؛ وذلك دليل على الوقوع ولذلك هذه سيقت للذم فتدل على الوقوع ، وأجاب بعض الطلبة بأن الشرط الثاني جواب للشرط الأول ، والتقدير إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ، ونصحه وعدم نصحه واقع فوقوع الجواب يدل على وقوع الشرط ، ورد ابن عرفة بأن الشرط ملزوم وجوابه لازم ، ولا يلزم من وقوع اللازم وقوع ملزومه بوجه بل يقع وقد لا يقع.
قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا).
جمع الأعين ، وقال في طه (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [سورة طه : ٣٩] فأفرد الجواب أن الفلك هنا حفظ لنوح ولقومه ، فلذلك جمع الأعين والحفظ في طه لموسى فقط.
قوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها).
الضمير عائد على نوح أو على الله وما قبله يدل على أنه لله تعالى ، لقوله (قُلْنَا احْمِلْ فِيها) ويكون التفاتا بالخروج من التكلم إلى الغيبة ، وما بعده يدل على أنه لنوح لقوله (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فإن قلت : المناسب هنا وصف القهر والغلبة ، قلنا : وصف الرحمة أنسب لأنه نسب نوحا إلى عمل السفينة لينجو فيها هو وقومه.
قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ).