** (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والستين بعد المائة .. المعنى : أف لكم أتأتون الذكور .. و«الذكران» جمع «ذكر» والإتيان هنا كناية عن الفسق بالغلمان .. و«الذكر» هو خلاف «الأنثى» وجمعه : ذكور .. ذكورة .. وذكران. قال الفيومي : ولا يجوز جمعه بالواو والنون فإن ذلك مختص بالعلم العاقل والوصف الذي يجمع مؤنثه بالألف والتاء وما شذ من ذلك فمسموع لا يقاس عليه .. و«الذكورة» خلاف «الأنوثة» أما لفظة «التذكير» فهي الوعظ و«الذكر» العلاء والشرف .. وتذكير الاسم في اصطلاح النحاة معناه لا يلحق الفعل وما أشبهه علامة التأنيث والتأنيث بخلافه فيقال : قام زيد وقعدت هند وهند قاعدة .. فإن اجتمع المذكر والمؤنث فإن سبق المذكر ذكرت وإن سبق المؤنث أنثت فتقول : عندي ستة رجال ونساء وعندي ست نساء ورجال وشبهوه بقولهم : قام زيد وهند وقامت هند وزيد فقد اعتبر السابق فبني اللفظ عليه .. ومن معاني «الذكر» أيضا : الصيت والثناء.
** (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والستين بعد المائة. المعنى : قال لوط لقومه إني لعملكم القبيح من المبغضين الكارهين .. وقوله «من القالين» أبلغ من قوله «قال» لأنه في هذه الحالة يكون معدودا في زمرتهم ـ حاشاه عليهالسلام ـ يقال : قلاه ـ يقلوه ـ قلا وقلا ـ بكسر القاف وفتحها ـ من بابي «ضرب» و«قتل» ومثله قلا اللحم في المقلى : أي أنضجه .. وهو الإنضاج ومضارعه : يقليه .. وقليه ـ يقلاه ـ قليا : أي أنضجه وبمعنى : كرهه أيضا. و«المقلى» بوزن «مفعل» اسم آلة وقد يقال : مقلاة واللحم وغيره مقلي ـ بالياء ـ ومقلو ـ بالواو ـ والفاعل : قلاء ـ بتشديد اللام لأنه صنعة كالعطار والنجار .. أما «قلي» نحو : قليت الرجل ـ أقليه فمعناه : أبغضته وهو من باب «رمى» و«تعب» لغة وعودة إلى قوله «من القالين» الذي يشبه القول : فلان من العلماء .. أبلغ من القول : فلان عالم .. لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرة العلماء ومعروفة مساهمته لهم في العلم. وقوله «من القالين» يسمى عدولا عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالصفة المشتقة ثم جعل الموصوف بها واحدا مع جمع وهذا كثيرا ما ورد في القرآن الكريم وخصوصا في سورة «الشعراء» ومثله في هذه السورة الشريفة قوله على لسان فرعون : «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين» أي لئن اتخذت يا موسى إلها غيري لأسجننك .. وقوله تعالى على لسان قوم نوح «قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين» أي لئن لم ترجع عن دعواك هذه لنرجمنك كالمجرمين .. و«الرجم» هو القتل رميا بالحجارة .. وقوله تعالى على لسان قوم هود : «قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين» في حين قال تعالى في سور أخرى غير سورة الشعراء القول الكريم المشابه .. ففي سورة «التوبة» : «ذرنا نكن مع القاعدين» بمعنى اتركنا مع الذين قعدوا عن الجهاد .. وقوله عزوجل : «رضوا بأن يكونوا مع الخوالف» أي مع النساء .. وهي جمع «خالفة» وأصل «الخالفة» هو عمود الخيمة المتأخر ويكنى بها عن المرأة لتخلفها عن المرتحلين إلى الجهاد. وأمثال ذلك كثير .. والسر في ذلك ـ والله أعلم ـ أن التعبير بالفعل إنما يفهم وقوعه خاصة ، وأما التعبير بالصفة ثم جعل الموصوف بها واحدا من جمع فإنه يفهم أمرا زائدا على وقوعه وهو أن الصفة المذكورة كالسمة لموصوف ثابت العلوق به كأنما لقب وكأنه من طائفة صارت كالنوع المخصوص المشهور ببعض السمات