وسرور لنا لا تقتلوه عسى أن نتخذه ولدا بالتبني ـ وكانت آسية لا تلد ـ واشتقاق «القر» إما من «القرار» فإن العين تقر على ما تسر به أي تسكن وإما من «القر» وهو البرد .. وبرد العين : هو كناية عن سرور صاحبها. وعن أبي هريرة : «إن فرعون وتد امرأته بأربعة أوتاد استقبل بها الشمس وأضجعها على ظهرها ووضع رحى على صدرها» وقيل : أمر بأن تلقى عليها صخرة عظيمة فدعت الله فرقى بروحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه. وعن الحسن : فنجاها الله أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتتنعم فيها. وقيل : كانت تعذب في الشمس فتظلها الملائكة وأما قولها : «نجني من فرعون وعمله» فهو بمعنى : من عمل فرعون أو من نفس فرعون الخبيثة وسلطانه الغشوم وخصوصا من عمله وهو الكفر وعبادة الأصنام والظلم والتعذيب بغير جرم .. ويقال : قر به عينا ـ يقر ـ قرا ـ كضرب يضرب وعلم يعلم ـ قرة وقرورا .. وهذا رجل قرير العين .. وقرت عينه ـ تقر ـ بفتح القاف وكسرها ـ ضد سخنت .. قال الجوهري : يقال : أقر الله عينه : أي أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه. ويقال : حتى تبرد ولا تسخن .. فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة. والأصمعي يقول : معناه : أبرد الله دمعك : أي سرك غاية السرور وزعم أن دمع السرور بارد ودمع الحزن حار وهو عندهم مأخوذ من القرور وهو الماء البارد. ورد عليه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب هذا القول وقال : الدمع كله حار جلبه فرح أو ترح. وقال أبو عمر الشيباني : معناه : أنام الله عينك وأزاد سهرها لأن استيلاء الحزن داع إلى السهر .. وحكى ثعلب عن جماعة من الأئمة أن معناه : أعطاك الله مناك ومبتغاك حتى تقر عينك عن الطموح إلى غيره .. بمعنى أرضاك. لأن المترقب للشيء يطمح ببصره إليه فإذا ظفر به قرت عينه عن الطموح إليه. ومنه قولهم : فلان قرير العين : بمعنى مسرور : من قرت عينه : أي بردت سرورا وجف دمعها أو رأت ما كانت متشوقة إليه .. وأعطاه الله ما يشتهي وأسعده. وثار جدل بين العلماء حول الدمع هل هو حار أم بادر؟ ومتى يكون ذلك؟ واستشهدوا بقولهم : أقر الله عينك وقد تقدم شرح ذلك. قال الشاعر :
على ماء الدموع يخمد نارا |
|
من جوى الحب أو يبل غليلا |
و«عل» بمعنى : لعل. وقيل : إن أصل «لعل» هو «عل» وإنما زيدت اللام توكيدا. والجوى بمعنى : الحرقة وشدة الوجد ـ المحبة ـ أما قوله : يبل غليلا : فمعناه يروي حرارة العطش. قال أعرابي سمع صوت الناعورة :
فدموعها تحيا الرياض بها |
|
ودموع عيني أحرقت خدي |
لو قيس وجد العاشقين إلى |
|
وجدي لزاد عليه ما عندي |
وقال شاعر آخر :
وغادة سمعت صوتي فأرقها |
|
من آخر الليل لما ملها السهر |
لم يحجب الصوت أحراس ولا غلق |
|
فدمعها بأعالي الخد ينحدر |
** (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة العاشرة .. المعنى لو لا أن ثبتناها .. والربط على القلب : كناية عن التثبيت. يقال للمصاب : ربط الله على قلبه بالصبر .. كما يقال : أفرغ الله عليه الصبر : أي ألهمه .. والفعل من باب «ضرب» ومن باب «قتل» لغة فيه.