نكر في قوله «من ماء» وقد عرف «الماء» في قوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) لأن القصد هو أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو جنس الماء. والفعل «دب» بمعنى «مشى» ومثله الفعل «درج» وهو المشي القليل .. نحو درج الصبي ـ يدرج من باب «قعد» بمعنى : مشى قليلا في أول ما يمشي .. ونقول أيضا : دب الصغير ـ يدب ـ دبيبا من باب «ضرب» ويقال : درجت الطائرة أيضا : أي سارت سيرا قليلا عند بداية إقلاعها وهبوطها ومنه «المدرج» بتخفيف الراء وهو شكل مسطح خاص بأرض المطار فسيح ولا نقول على مدرج المطار ـ بضم الميم وتشديد الراء لأن هذه اللفظة تعني : ردهة أو مكانا صفت فيه المقاعد على شكل درجات وهي كل بناء واسع مرتفع الجدران وفيه مقاعد مدرجة أمامها فسحة واسعة تستعمل للألعاب وخاصة الملاعب الرياضية. وفي القول الكريم في الآية الكريمة المذكورة آنفا تشبيهات رائعة .. وقد سمى سبحانه الزحف على البطن مشيا على سبيل الاستعارة أو على طريق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين.
** (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) : أي يمشي على أربع أرجل وبعد حذف المضاف إليه «أرجل» لأنه مسبوق بما يدل عليه نون آخر المضاف «أربع» لانقطاعه عن الإضافة. والفعل «مشى» من باب «رمى» ومعناه : سار نحو مشى الرجل يمشي .. ومصدره : مشيا : بمعنى : نقل قدمه من مكان إلى آخر بإرادته أي استعمل رجليه سريعا كان أو بطيئا واسم الفاعل هو ماش وجمعه : مشاة ـ بضم الميم ـ قال الرسول الكريم محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» وأما قول عائشة في عمر ـ رضي الله عنهما : كان إذا مشى أسرع .. فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت .. يحكى أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ رأت رجلا متماوتا فقالت : ما هذا؟ قالوا زاهد. فقالت : كان عمر بن الخطاب زاهدا وكان إذا قال أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب في ذات الله أوجع. وعن «البطن» قالوا : البطن شر وعاء صفرا ـ أي فارغا ـ وشر وعاء ملآن. يعني إن أحسنت إليه آذاك وإن أسأت إليه عاداك. ويقال : صاحت عصافير بطنه : كناية عن الجوع .. أي جاع. و«الشرير» من صيغ المبالغة «فعيل» أي الكثير الشر وهو لقب إبليس أيضا. والشر : هو نقيض الخير وهو اسم جامع للرذائل والخطايا. وقيل : إن الخير والشر : جمع لا واحد له .. مثل «المن والسلوى» والسلوى : لم يسمع له واحد ـ أي مفرد ـ هذا ما قاله الأخفش. وهو اسم طائر وقال : ويشبه أن يكون واحده أيضا سلوى .. كما قالوا : دفلى للمفرد والجمع. و«السلوى» أيضا : هي العسل .. وعلى ذكر العسل فقد قيل : العق العسل ولا تسل. وقيل أيضا : هو في العمل كالعسل وفي القول كالأسل و«الأسل» مصدر الفعل «أسل» أي لأن واستوى وطال وصار أملس وهو أسل والأسل أيضا : الرماح وكل حديد رهيف من سيف وسكين .. وهو أيضا اسم نبات دقيق. وفي الآية المذكورة آنفا أشار سبحانه إلى المخلوقات غير العاقلة بضمير العقلاء «هم» و«من» الاسم الموصول في «من يمشي» وهذان الضميران للعقلاء وذلك تشريفا للمخلوقات غير العاقلة.
** (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة السابعة والأربعين التقدير : وما أولئك المعرضون فحذف النعت أو البدل «المعرضون» المشار إليه لأن ما قبله يدل عليه.