(إِلَّا قَلِيلاً) : أداة حصر لا عمل لها. قليلا : صفة نائبة عن المصدر المحذوف ـ المفعول المطلق ـ وعلامة نصبه الفتحة المنونة. التقدير : إلا زمانا قليلا أو إلا تمتعا قليلا.
** (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة العاشرة .. المعنى : حين جاءتكم غطفان من أعلى الوادي جهة المشرق وقريش من أسفله جهة المغرب .. يقال : سفل ـ يسفل ـ سفلا ـ بضم السين وكسرها وسفولا ـ من باب «قعد» و «السفالة» بضم السين : ضد العلو وبكسر السين أيضا بمعنى : صار أسفل من غيره و «الأسفل» خلاف «الأعلى» وابن قتيبة يمنع الضم في «السفالة» أما الفعل «سفل» من باب «قتل» نحو : سفل في خلقه والاسم : السفل ـ بضم السين بمعنى : رذل.
** (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) : المعنى : مالت الأبصار أو كلت أي أعيت نتيجة ميلها عن مستوى النظر من الحيرة والخوف والفزع ـ يقال : زاغ البصر ـ يزيغ ـ زيغا .. من باب «باع» بمعنى مال والزيغ بفتح الزاي وسكون الياء هو الميل ومثله القول : زاغت الشمس : أي مالت وذلك إذا فاء الفيء.
** (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) : هذا القول الكريم كناية عن شدة وهو الفزع والرعب وهو مثل «زاغت الأبصار» كناية عن الحيرة والخوف والجبن المعنى : بلغت القلوب الحناجر خفقانا واضطرابا فإن الخائف يخفق قلبه حتى يخيل له أنه قد بلغ إلى حنجرته وهي منتهى الحلقوم ومثله في الكناية : يقلب كفيه : أي يتندم.
** (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) : أصله : الظنون أي تظنون بالله ظنا والألف زيدت وهي ألف الإطلاق تمشيا مع رءوس الآيات .. بصيرا .. شديدا .. غرورا .. وهذه الألف كثيرا ما تستعمل في القافية أي في آخر بيت الشعر. قال الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت |
|
من الحوادث إلا الشيب والصلعا |
الألف في «الصلعا» لضرورة القافية وهي زائدة للإطلاق كزيادتها في الآية الكريمة المذكورة آنفا وقوله تعالى في السورة نفسها : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) والفعل «أنكرت» في بيت الشعر ورد في صدر البيت رباعيا وثلاثيا «نكرت» يقال : أنكرت الرجل : إذا كنت من معرفته في شك .. ونكرته إذا لم تعرفه. وفي نسبة هذا البيت للأعشى حكاية .. قال أبو عبيدة : كنت حاضرا عند بشار بن برد وقد أنشد شعر الأعشى فلما سمع هذا البيت أنكره وقال هذا بيت مصنوع وما يشبه كلام الأعشى فعجبت من فطنة بشار وصحة قريحته وجودة نقده للشعر. وقال الفرزدق يمتدح الشيب :
تفاريق شيب في الشباب لوامع |
|
وما حسن ليل ليس فيه نجوم |
وقال البحتري في المعنى نفسه :
وسواد العيون لو لم يكمل |
|
ببياض ما كان بالمرموق |
أي ليل يبهى بغير نجوم |
|
وسماء تندى بغير بروق |