و «القلوب» في الآية الكريمة المذكورة جمع «قلب» وهو الفؤاد وجمعه : أفئدة. وقيل : إن الأفئدة هي أوساط القلوب وقوله عزوجل في سورة «الهمزة» : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) معناه : تعلو أوساط القلوب وتغليها وتشتمل عليها. وقيل : لا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ولا أشد تألما منه بأدنى أذى يمسه وهي مواطن الإيمان وتكون مواطن الكفر والعصيان والذين يملئون القلوب والعيون جلالة وجمالا هم الملأ وهم جماعات من الإشراف. وقال الشاعر :
قولي لطيفك ينثني |
|
عن مضجعي وقت الرقاد |
كي أستريح وتنطفي |
|
نار تأجج في الفؤاد |
أي تتأجج بمعنى : اشتد حرها وحذفت إحدى التاءين تخفيفا. وجاء ذكر «الفؤاد» في بيت الشعر التالي للمتنبي :
ما لاح برق أو ترنم طائر |
|
إلا انثنيت ولي فؤاد شيق |
و «شيق» بمعنى : مشتاق .. ومنه القول «قلب شيق» وفعله : شاقه الشيء ـ يشوقه ـ شوقا : بمعنى : هيج شوقه .. واشتاقه واشتاق إليه اشتياقا : بمعنى : نزعت نفسه إليه فهو شائق والشيء مشوق وشوقه تشويقا : أي هيج شوقه .. ومنه : حديث شائق : أي داع إلى الشوق وأنا مشوق إليه ولا يقال : حديث شيق لأنه لا يصح أن يكون الحديث مشتاقا!
** (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية عشرة .. وفيه نون آخر «مرض» لانقطاعه عن الإضافة لأن المعنى مرض الشك والريبة كما حذف الموصوف المصدر «وعدا» وأقيم النعت «غرورا» مقامه. والمنافقون هم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر قالوا قولهم هذا حين ضرب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في أثناء حفر الخندق صخرة بالفأس فطارت منها قطعتان .. فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : إن الله وعدني ملك فارس والروم فقال بعض المنافقين : يعدنا ملك كسرى وقيصر وأحدنا يخاف أن يذهب لقضاء حاجته.
** (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة عشرة. المعنى : كانوا قد عاهدوا الله لا ينهزمون أمام العدو أبدا من بعد موقعة بدر وقبل غزوة الأحزاب أي لا يفرون ولا ينهزمون من المعركة وبعد حذف المضاف إليه «غزوة» بني المضاف «قبل» على الضم لانقطاعه عن الإضافة وقوله «يولون الأدبار» كناية عن الهزيمة.
** (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثامنة عشرة .. و «هلم» اسم فعل أمر لا فعل أمر ويستعمل لازما نحو : هلم إلينا : أي أقبل .. ومتعديا نحو : هلم شهداءكم : أي أحضروهم وهي في لغة أهل الحجاز التي جاء بها التنزيل الحكيم تلزم طريقة واحد لا يختلف لفظها بحسب من هي مسندة إليه لأنها وإن كانت دالة على الطلب لكنها لا تقبل ياء المخاطبة وهي هنا للدعاء إلى الشيء بمعنى : ائتوا إلينا وهي فعل أمر بمعنى احضروا أو ائتوا أو تعالوا لدلالتها على الطلب وقبولها ياء المخاطبة وهذا هو قول بني تميم وهم يقولون : هلم يا رجل وهلمي يا امرأة وهلما يا رجلان وهلموا يا رجال وهلممن يا نساء. أي يجعلونها فعلا فيلحقونها الضمائر أما أهل الحجاز فهم يسوون فيه بين الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث. وقيل : هي صوت سمي به فعل متعد مثل «احضر» نحو قوله تعالى : هلم شهداءكم.