** (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) : في هذا القول الكريم الوارد في بداية الآية الكريمة الثامنة تكون كلمة «جنة» بمعنى : أم به جنون يوهمه بذلك .. والكلمة جمع «جني» ومؤنثه. جنية .. وهو مخلوق مزعوم بين الإنس والأرواح سمي بذلك لاستتاره واختفائه عن الأبصار. وقيل : هي الجن. ومنه قوله تعالى في سورة «هود» : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهي أيضا الجنون : أي زوال العقل وفساده كما في الآية الكريمة «أم به جنة».
** (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة التاسعة .. المعنى : إن في ذلك المرئي لعلامة ودلالة لكل عبد راجع أو تائب إلى الله .. فحذف النعت أو البدل المشار إليه «المرئي» اختصارا لأن ما قبله يدل عليه.
** (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية عشرة .. بمعنى : أي وأوحينا له أي لداود وقلنا له دروعا سابغات أي طويلات فحذف المفعول به الموصوف «دروعا» وحلت الصفة «سابغات» محله كما حذف الموصوف «عملا» أيضا وحلت صفته «صالحا» محله. وبمعنى وجهنا داود أن يعمل دروعا و «سابغات» جمع «سابغة» : وهي الدرع الضافية الوثيقة النسج .. ووردت هذه اللفظة في قول النابغة في وصف جيش :
فيه الرماح وفيه كل سابغة |
|
جدلاء محكمة من نسج سلام |
قال أحد الأدباء : فساد المعنى ـ أي اللفظ الذي أخل فساده بمعناه ـ متأت من كون الذي لان الحديد له حتى نسج الدروع منه هو داود ـ عليهالسلام ـ كما في الآية الكريمة السابقة فانحرف الشاعر عنه إلى سليمان وانحرف عن سليمان إلى سلام وكل ذلك من جناية القافية. وعلى ذكر سليمان وسلام وتغير الأسماء يحكى أن رجلا استأذن على سليمان بن وهب ليعزيه عن أمه فأذن له وقال :
لأم سليمان علينا مصيبة |
|
مغلقة مثل السيوف البواتر |
وكنت سراج البيت يا أم سالم |
|
فأضحى سراج البيت وسط المقابر |
فاشتد الكرب «الحزن والغم ـ بسليمان .. حتى قال لمن حوله : ما لقيت من هذا الرجل! رثى أمي بهذا البيت أو القول وغير اسمي من سليمان إلى سالم.
** (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة الثانية عشرة .. المعنى : جريها أو ذهابها بالغداة ـ وهي من الفجر إلى طلوع الشمس ـ مسيرة شهر فحذف الخبر المضاف «مسيرة» وحل المضاف إليه «شهر» محله وارتفع ارتفاعه. ويجمع «الشهر» ـ جمع قلة ـ أي من ثلاثة إلى تسعة على أشهر ومن العشرة فما فوق : شهور أي جمع كثرة .. ويقال : شهر الرجل سلاحه أو سيفه ولا يقال : أشهر سلاحه أو سيفه لأن المعنى يختلف فالثلاثي «شهر» بمعنى : رفع أو استل في حين أن الفعل الرباعي «أشهر» معناه : دخل في الشهر وجاء في الحديث الشريف : «ليس منا من شهر علينا السلاح ـ أي من سله وانتضاه ورفعه علينا أما الفعل الرباعي لهذا المعنى فغير منقول. وأشهر الرجل إشهارا أي أتى عليه شهر كما يقال : أحال : بمعنى أتى عليه حول ـ أي عام ـ يقال : أفشيت الشيء فاشتهر وهو مشهور ـ اسم مفعول ـ مثل : غمره فهو مغمور. وقيل : قد يظلم البريء لأنه مغمور ويبرأ الظالم لأنه مشهور.