** (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة الرابعة عشرة الغيب : هو كل ما غاب عنك وجمعه : غيوب وفعله غاب ـ يغيب ـ غيبا وغيبة وغيبوبة وغيوبا وغيابا ـ بفتح الغين ـ ومغيبا فهو غائب ـ اسم فاعل ـ والغيبة ـ بكسر الغين ـ هي أن يتكلم خلف إنسان بما يغمه لو سمعه فإن كان صدقا سمي غيبة وإن كان كذبا سمي بهتانا. ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه ومن الأخطاء الشائعة إن المنجمين يقرءون الطالع ويعلمون الغيب فقيل عنهم : صدق المنجمون ولو كذبوا. وسبب ذلك أنهم ليسوا من الغيب. في شيء إنما دلالاتهم النجومية التي يتحدثون عنها هي ظنون حدسية وتخمينات مبنية على التأثيرات النجومية وهؤلاء ليست لهم مدارك غيبية بل هم يستخدمون ذكاءهم وفراستهم أو يستفيدون من كلمة أو حركة يأتيها من يطلبون منهم الكشف لهم عن الغيب ويستدرجونهم فيبدءون بحثهم على السرد يوهمونهم بأنهم يعرفون مستقبلهم وما فيهم والمنجمون تخيب تخميناتهم دائما. وما قصة فتح عمورية ـ المدينة البيزنطية ـ التي فتحها العرب على أيام المعتصم ـ ببعيدة عن الأذهان حين صاحت امرأة عربية قبض على معصمها أحد العلوج : وا معتصماه! و «العلوج» جمع «علج» وهو الرجل الضخم القوي من الكفار. وحين بلغ الخليفة المعتصم الخبر قرر أن يهاجم عمورية بجيش على خيول بلق كما قال ذلك العلج مستهزئا : سوف يأتيك المعتصم على خيول بلق ـ جمع أبلق ـ أي ما كان في لونه سواد وبياض. فقال المنجمون للخليفة : إنه سيخسر الحرب إذا غزا في ذلك الوقت فأبى الخليفة إلا أن يستجيب لنداء المرأة .. وتم له فتح عمورية. فقال أبو تمام يعرض بالمنجمين ويمدح الخليفة في قصيدته التي مطلعها :
السيف أصدق إنباء من الكتب |
|
في حده الحد بين الجد واللعب |
** (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) : هذا القول الكريم ورد في الآية الكريمة الخامسة عشرة .. التقدير : لأهل سبأ بدليل قوله «مسكنهم» وهو مثل «اسألوا القرية» فحذف المضاف «أهل» وأقيم المضاف إليه «سبأ» مقامه. أو بمعنى لبني سبأ وهم أولاد يشجب بن يعرب من قبائل اليمن الشهيرة في مأرب على بعد ثلاثة أيام من صنعاء. وقوله تعالى : «عن يمين وشمال» التقدير والمعنى عن يمين واديهم وعن شماله فحذف المضاف إليه واديهم» فنون آخر المضاف «يمين» لانقطاعه عن الإضافة وكذلك «شمال» وحذف الجار من «شمال» لأن التقدير : وعن شمال حذف اكتفاء بذكره أول مرة ويجوز أن يكون في «مسكنهم» بتقدير : في مواضع مسكنهم أي سكناهم فحذف المضاف «مواضع» وحل المضاف إليه محله.
** (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) : قال أبو الفرج : هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام .. وقيل : كان بعضهم ـ إذا ذكر بغداد ـ يقرأ قوله تعالى : «بلدة طيبة ورب غفور» وقيل : إن المأمون كان قد قال عنها : عين العراق بغداد والعراق عين الدنيا. وقال الجاحظ : الصناعة في البصرة .. والفصاحة في الكوفة .. والخير في بغداد. وقال الشاعر العراقي المعروف معروف الرصافي أيام حكم العثمانيين لبغداد أبياتا من الشعر تعبر عن وطنية أهل بغداد :
إليك إليك يا بغداد عني |
|
فإني لست منك ولست مني |
ولكني وإن كبر التجني |
|
يعز علي يا بغداد أني |
أراك على شفا هول شديد |