ومن حكم «كافة» أن تأتي متعقبة ففي الآية معناها : كاف وإلحاق الهاء للمبالغة. وأما تصديرها في الآية الكريمة فقيل : إنه مما قدم لفظه وأخر معناه وإن تقدير الكلام : وما أرسلناك إلا جامعا بالإنذار والبشارة للناس كافة. ومثل هذه اللفظة في الحكم والإعراب لفظتا «عامة» و «قاطبة» بمعنى : جميعا أي كلهم. وقيل : إن الألفاظ «كل» و «عامة» و «أجمع» يؤكد بها فيقال جاء القوم عامة. وأغفلها جميع النحاة. و «العام» ضد «الخاص» وهو اسم فاعل وفعله : عم ـ يعم .. بمعنى : شمل وهو من باب «قعد» ومصدره : «عموما» وهو أيضا جمع «عم» أي أخو الأب والجمع الثاني : أعمام. ومؤنث «العم» : عمة وجمعها : عمات ويقال ـ كما قال الجوهري ـ : هما ابنا عم وابنا خالة ولا يقال : هما ابنا عمة ولا ابنا خال ولا ابنا أخت. و «قاطبة» تأتي حالا مؤكدة لعاملها ولصاحبها وتأتي «عامة» توكيدا وقيل : حالا. ويقال : تعمم الرجل واعتم واستعم : بمعنى : لبس العمامة : وهي ما يلف على الرأس وجمعها : عمائم. وقيل : العمائم تيجان العرب. و «العمامة» هي نوع من الملابس الخاصة بالرأس وقد غلب إطلاقها على اللفة التي تلف الرأس.
** (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة والثلاثين .. المعنى : لم يكن إجرامنا هو الذي صدنا كما تقولون بل تصديكم لنا بالمكر علينا ليلا ونهارا .. فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي. و «استضعفوا» بمعنى : استضعفهم الكفار في الدنيا.
** (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والثلاثين التقدير : في أهل قرية فحذف المضاف «أهل» وحل المضاف إليه «قرية» محله.
** سبب نزول الآية : نزلت الآية الكريمة في رجل سأل شريكه عن أتباع محمد فقال له : إنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس ومساكينهم فعرف بذلك أنه نبي حق فآمن به فنزلت هذه الآية الكريمة فقال له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إن الله قد أنزل تصديق ما قلت».
** (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة والثلاثين المعنى المقصود : وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم بالتي وذلك إن جمع التكسير يستوي في تأنيثه العقلاء وغير العقلاء .. وقيل : يجوز أن تكون «التي» هي التقوى وهي المقربة عند الله زلفى وحدها أي ليست أموالكم بتلك التي أي الموضوعة للقربى. وإذا كان ثمة أقوال في القرآن الكريم تحتمل المعنى واللفظ فإن أفعالها تتأثر بها فتجيء تارة مذكرة مع الاسم المذكر ومؤنثة مع الاسم المؤنث تارة أخرى وتأتي ضمائرها في الحالتين كلتيهما عائدة على الاسم المذكر وهي مؤنثة ويراعى في ذلك المعنى وليس اللفظ أو العكس إذا كان ذلك واردا فحري أن يتم معرفة ذلك وهو أن تأنيث الفعل أي فعل الفاعل يجوز في حالات .. منها : إذا كان الفاعل اسما ظاهرا مؤنثا تأنيثا حقيقيا منفصلا عن الفعل نحو حضر اليوم أو حضرت اليوم فاطمة. أو إذا كان الفاعل اسما ظاهرا مجازي التأنيث نحو طلعت الشمس أو طلع الشمس وإذا كان جمع تكسير .. نحو : جاء الغلمان أو جاءت الغلمان .. أجاد الخطباء أو أجادت الخطباء لأن الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث كما جاء في الآية الكريمة المذكورة.