** (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة .. المعنى : إنا جعلنا في أعناق الكافرين قيودا فهي مرتفعة إلى أذقانهم فهم رافعون رءوسهم والمراد من الآية الكريمة : جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم القيود والأغلال لأن كلمة «مقمحون» تدل على ذلك لأن ضغط اليد مع العنق في القيد يوجب الإقماح. وقال المفسر : أي رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم. أصله : قمح البعير : رفع رأسه .. وأقمحت البعير : أي شددت رأسه إلى خلف وقوله تعالى : مقمحون : تشبيه لهم بالبعير المشدود رأسه إلى خلف.
** سبب نزول الآية : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا لأفعلن. فأنزل الله تعالى هذه الآية وما بعدها فكانوا يقولون : هذا محمد فيقول : أين هو أين هو؟ لأنه صار لا يبصر.
** (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة .. المعنى : فغطينا على أعينهم أي فأغشينا أبصارهم فهم لا يبصرون الرشاد أو الهداية فحذف مفعول «يبصرون» لأنه معلوم وهو «الرشاد .. الهداية» كما حذف مفعول «أغشينا» المضاف «أبصار» فأوصل الفعل «أغشى» أو تعدى إلى المضاف إليه «هم» فصار أغشيناهم.
** (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية عشرة .. المعنى : ونسجل آثارهم وكل شيء دوناه وضبطناه في اللوح المحفوظ. و «الآثار» هي جمع «أثر» ومن اشتقاقات اللفظة : المأثور وهو اسم مفعول نحو : هذا حديث مأثور : أي منقول والمأثرة : أي المكرمة سميت بذلك لأنها تنقل بين الناس ويتحدث عنها .. يقال : أثر الخطيب في المستمعين ولا نقول على المستمعين بمعنى ترك فيهم أثرا وهو الشيء الذي يرى ويشاهد ولهذا قيل في الأمثال أصبح أثرا بعد عين .. يضرب هذا المثل لمن ترك شيئا يراه وتراخى عنه حتى يفوته ثم تبع أثره بعد فوت عينه وصار يسعى في طلبه. أما الأثرة بفتح الهمزة والثاء فهي لفظة تدل على شيء من الأنانية لأن المرء يخص نفسه بأحسن الأشياء دون غيره .. وفيها حب النفس المفرط وهو ما يعرف بالأنانية لأن الأناني يسعى دائما لتحقيق صالحه ليستريح ولكنه في الوقت نفسه لصالح غيره يستبيح .. سئل الحطيئة عن أشعر الناس؟ فذكر زهيرا والنابغة ثم قال : ولو شئت لذكرت الثالث ـ أراد نفسه ـ ولو قال : ولو شئت لذكرت نفسي لم يفخم أمره. وفي هذا الإبهام من تفخيم الفضل وإعلاء القدر ما لا يخفى لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه والمتميز الذي لا يلتبس .. ويقال للرجل : من فعل هذا؟ فيقول : أحدكم أو بعضكم. يريد به الذي تعرف واشتهر بنحوه من الأفعال فيكون أفخم من التصريح به وأنوه بصاحبه. ويروى أن غلاما جلس إلى الشاعر المعروف أبي العلاء المعري وابتدره قائلا : من أنت يا شيخ؟ فعرفه بنفسه فرد عليه : أنت القائل :
فإني وإن كنت الأخير زمانه |
|
لآت بما لم تستطعه الأوائل |
قال أبو العلاء : نعم. قال الغلام : إن الأوائل رتبوا ثمانية وعشرين حرفا للهجاء فهل لك أن تزيد عليها حرفا؟ فدهش أبو العلاء من ذلك وقال : إن هذا الغلام لن يعيش طويلا لشدة حذقه وتوقد فؤاده. والأنانية مأخوذة من «الإنانة» بإضافة ياء النسب إليها وهي في قولك : أنا. وهي تمدح النفس أو الانسان بما ليس عنده إعجابا بنفسه.