** (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة عشرة .. أي ذللنا الجبال معه يسبحن أي ينزهن الله مع تسبيحه عند طلوع الشمس وعند غروبها وكان داود ـ عليهالسلام ـ يفهم تسبيحها بمعنى : مسبحات. قال الزمخشري : فإن قلت : هل من فرق بين «يسبحن» و «مسبحات» قلت : نعم. وما اختير «يسبحن» على «مسبحات» إلا لذلك وهو الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شيء وحالا بعد حال وكأن السامع محاضر تلك الحال يسمعها تسبح. ومثله قول الأعشى : إلى ضوء نار في يفاع تحرق. ولو قال : محرقة لم يكن شيئا. أما قوله تعالى : «الإشراق» بدلا من «الشروق» فلأن «الإشراق» هو الوقت : أي وقت الإشراق : وهو حين تشرق الشمس : أي تضيء ويصفو شعاعها أو نورها .. وهي وقت الضحى وأما «شروقها» فهو طلوعها. يقال : شرقت الشمس ولما تشرق. فالعشي : ظرف فلو حمل «الإشراق» على الدخول في وقت الشروق لكان مصدرا مع أن المراد به الظرف لأنه فعل الشمس وصفتها التي تستعمل ظرفا كالطلوع والغروب وشبههما.
** (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة .. وقوله «محشورة» في مقابل «يسبحن» لأنه لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئا فشيئا أي شيئا بعد شيء. وعقب الإمام أحمد بقوله : ولهذه النكتة ـ أي النقطة أو المسألة الدقيقة التي أخرجت بدقة ونظر وإمعان فكر ـ فرق سحنون ـ عبد السلام سحنون ـ وهو فقيه مالكي بين «أنا محرم يوم أفعل كذا بصيغة اسم الفاعل» وبين «أحرم» بصيغة المضارع .. فرأى أن المعلق بصيغة اسم الفاعل يكون محرما بوجود صيغة التعليق .. ولا كذلك المعلق بصيغة الفعل المضارع فإنه لا يكون محرما حتى يحرم ويقال له : أحرم .. فكأنه رأى أن صيغة الفعل خصوصية في الدلالة على حدوثه ولا كذلك اسم الفاعل وإن كان متأخرا وقال : واختلفوا في معنى هذا القول ـ قول سحنون ـ في اسم الفاعل يكون محرما يوم يفعل. فمنهم من قال : أراد النور فينشئ إحراما ومنهم من قال : يكون محرما في الحال بالتعليق الأول ولا يجدد شيئا. ومذهب «مالك» هو التسوية بين صيغتي اسم الفاعل والفعل في هذا المقام وحقق الزمخشري في هذا القول الفرق بين اسم الفاعل والفعل فقال : لما كان الواقع حشر الطير دفعة واحدة وكان ذلك أدل على القدرة لم يكن لاستعمال الفعل الدال على الحدوث شيئا فشيئا معنى فاستعمل فيه اسم المفعول على خلاف استعمال الفعل في الأول «والطير محشورة» وقوله «محشورة» في مقابلة «يسبحن» إلا أنه لما لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح جيء به اسما لا فعلا وذلك أنه لو قيل : وسخرنا الطير يحشرن على أنه الحشر يوجد من حاشرها شيئا بعد شيء. والحاشر هو الله عزوجل لكان خلفا لأن حشرها جملة واحدة أدل على القدرة. و «العشي» في الآية الكريمة الثامنة عشرة .. جمع «عشية» وهي من بعد الظهر إلى المغرب والكلمة تدل على الظرفية و «الإشراق» أي وقت الاشراق وهو وقت أي حين تشرق الشمس .. بمعنى : تضيء ويصفو نورها وذلك وقت الضحى .. والمراد بالإشراق في الآية الكريمة : الظرف مثل «العشي» لأن الإشراق هو فعل الشمس وصفتها التي تستعمل ظرفا كالطلوع والغروب ونحوهما ويكون وقت المغرب بعد ظهور الشفق وهو الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء إلا ما يروى عن أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ في إحدى الروايتين أنه البياض. وروي عن أسد بن عمرو بذلك لرقته. ومنه : الشفقة على الانسان : أي رقة القلب عليه.