** (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والثلاثين .. المعنى : ولقد امتحنا سليمان عند ما رزق مولودا شغفه حبا قتلته الشياطين ورمت به على كرسيه جثة هامدة .. وفي رواية أخرى : شيطانا بهيئة جسد فأدرك سليمان أن الله اختبره به فرجع إلى الله تعالى .. والمعروف عن سليمان أنه علم لغة الطير وغيره ولقب بالحكيم وعرف بتكليم النملة له .. حتى سميت نملة سليمان .. وعن قتادة : أن سليمان دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم. وكان بين الحاضرين عالم جليل على الرغم من حداثة سنه وهو بصير باللغة متضلع منها .. فقال : سلوه عن نملة سليمان ـ أي النملة التي كلمته والتي نادت يا معشر النمل .. ويقال : سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال ـ قال سلوه عن هذه النملة أكانت ذكرا أم أنثى؟ فسألوه فأفحم ـ أي فسكت ولم يستطع جوابا ـ فقال ذلك الرجل : كانت أنثى. فقيل له : من أين عرفت؟ قال من كتاب الله وهو قوله : «قالت نملة» ولو كانت ذكرا لقال : قال نملة وذلك أن «النملة» مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى. فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى .. وهو حمامة وهي حمامة. وقيل : إن القول ليس كذلك ومن المشكوك فيه نسبته إلى ذلك الرجل الجليل وهو لا تخفى عليه هذه القاعدة اللغوية وهي أن النملة يمكن أن تؤنث لأجل لفظها وإن كانت واقعة على ذكر بل هذا هو الفصيح المستعمل فحينئذ قوله تعالى : «وقالت نملة» روعي فيه تأنيث الضمير وأما المعنى فيحتمل على حد سواء فهي كالحمامة والشاة تقع على الذكر وعلى الأنثى لأنه اسم جنس. فلفظها مؤنث ومعناه محتمل. ومثل «النملة» و «الشاة» و «الحمامة» لفظة «النعامة» من الطير يذكر ويؤنث و «النعام» اسم جنس مثل حمام وحمامة.
** (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والأربعين .. المعنى : واذكر يا محمد عبدنا الصابر أيوب بن أموص بن أروم إذ ابتليناه بالمرض الذي احتمله سنين فدعانا بعد هذه السنين من حسن احتماله فدعانا متضرعا بأني أصابني الشيطان بضر ومشقة وألم بمعنى وسوس إلي بالشر والبلاء فمرضت نتيجة ذلك والقول الكريم هو حكاية لكلامه الذي نادى ربه بسببه ولو لم يحل لقال بأنه مسه لأنه غائب ولحكمة أيوب فقد نسب ما يؤلم إلى الشيطان تأدبا مع الله سبحانه .. أما الخير فينسبه إلى الله تعالى. ويحكى أن امرأة النبي أيوب ـ عليهالسلام ـ الذي ضرب المثل بصبره على مرضه الذي امتحنه الرب فيه فاحتمل وصبر على مرضه وهلاك أولاده وذهاب ماله .. قالت له يوما : لو دعوت الله. فقال لها : كم كانت مدة الرخاء؟ فقالت ثمانين سنة فقال أنا أستحي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي. وكان «أيوب» روميا من ولد إسحاق بن إبراهيم ـ عليهمالسلام ـ وقد استنبأه الله وبسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله .. وكان له سبعة بنين وسبع بنات وله أصناف البهائم وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ونخيل فابتلاه الله ـ أي امتحنه ـ بذهاب ولده .. انهدم عليهم البيت فهلكوا وبذهاب ماله .. وبالمرض في بدنه ثماني عشرة سنة .. وعن قتادة : ثلاث عشر سنة .. وعن مقاتل : سبعا وسبعة أشهر وسبع ساعات .. فلما كشف الله عنه أحيا ولده ورزقه مثلهم ونوافل ـ أي زيادات ـ منهم .. وكان ذلك رحمة من الله سبحانه لأيوب وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر حتى يثابوا كما أثيب في الدنيا والآخرة.