عن كونه جسما فيكون التعبير كناية عن استيلائه على الملك يدبر أمر الكون بمقتضى حكمته .. وبما أنه عزوجل ليس بجسم فلا يجوز أن يؤخذ هذا الكلام على ظاهره بل يجب تأويله .. وقد سلك علماء السنة هذا المسلك فقالوا إن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف .. أي إن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزها سبحانه عن الاستقرار والتمكن .. وقالوا : العرش : هو الجسم المحيط بسائر الأجسام.
** (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. ونكر «يوم» وهو يوم الحساب للتفخيم والتهويل لعظمته .. والمعنى : يدبر سبحانه أمر الأرض من سماء جلاله من يوم وجودها إلى ساعة تلاشيها ثم يصعد إليه الأمر كله في يوم القيامة ـ الحساب ـ ليحكم فيه أو نازلة آثارها إلى الأرض ثم يصعد الأمر ويرجع إلى ذلك اليوم .. واليوم هنا : مدة من الزمان الله أعلم بها واليوم عند الله سبحانه في الدنيا كألف سنة بحساب أهلها .. أما يوم الآخرة فمقداره خمسون ألف سنة .. يقال عرج في السلم ـ يعرج ـ بمعنى ارتقى .. وهو من باب «دخل» و «المعراج» هو السلم وجمعه : معارج ومعاريج. قال الأخفش : إن شئت جعلت الواحد ـ أي المفرد ـ مِعرج ومَعرج ـ بكسر الميم وفتحها .. والمعارج : تعني أيضا المصاعد و «الدرج» بفتح الدال والراء وجمعه : أدراج : هو مراتب بعضها فوق بعض .. أما درج السلم فهو ما يتخطى عليه من الأدنى إلى الأعلى في الصعود .. يقال : رقي الرجل ـ يرقى ـ رقيا ورقيا ورقي في الجبل وإليه ـ من باب تعب ـ بمعنى : صعد. ومثله : ارتقى في السلم : أي ترقى إليه بمعنى صعد ويقال : ارتقى الخطيب المنبر ـ بكسر الميم : أي صعده. يروى أن عبد الملك بن مروان سأله ولده ما الذي شيبك؟ فقال له : يا بني شيبني ارتقاء المنابر ومخافة اللحن ـ أي الخطأ ـ و «سنة» في الآية الكريمة المذكورة آنفا جمعها «سنون .. سنوات» أي أن الجمع يعرب بالحروف والحركات يروى أن الشاعر المعروف «الحطيئة» أراد سفرا .. فلما قدم راحلته قالت له امرأته : متى ترجع؟ فقال :
عدي السنين لغيبتي وتصبري |
|
ودعي الشهور فإنهن قصار |
فقالت :
اذكر صبابتنا إليك وشوقنا |
|
وارحم بناتك إنهن صغار |
في البيت الأول أعربت «السنين» بالحروف فهي منصوبة بعدي وعلامة نصبها الياء لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم ويقال في حالة الرفع : مرت سنون كثيرة والاعراب الثاني لهذه اللفظة يكون بالحركات فيقال : مرت سنوات كثيرة .. وقضيت سنينا كثيرة .. وجرى ذلك منذ سنين كثيرة.
** (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. المعنى : ذلك المدبر الخالق هو الله عالم ما بطن وما غاب من الأمور وما ظهر منها أي وعالم المحسوسات وحذف النعت أو البدل المشار إليه «المدبر .. الخالق» لأن ما قبله دال عليه.
** (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة .. المعنى : الذي أحكم وأتقن خلق كل شيء وبدأ تكوين الانسان الأول أي آدم ـ عليهالسلام ـ وهو أبو البشر .. فحذف مفعول «أحسن» وهو «خلق» وحل المضاف إليه «كل» محله ولأن ما بعده «خلقه» يفسره.