بالأحرى : أنا لم أقتنع بأدلّته ، فهل الحقّ معي أم معه؟ وأقول ـ قبل كلّ شيء ـ : إنا لا أقتنع بالقول المجرّد ، وإنّما أُريد الإثبات ، ثمّ إنّي خرّيج مدرسة فلسفية عالية ، لا أقبل شيئاً إلّا بعد المناقشة والجدال ، وأن يكون محسوساً ملموساً.
أحمد : فهل لك في دليل بسيط وبسيط جدّاً تقتنع به ، بدون لفّ ودوران؟
جميل : ما هو؟ هاته.
أحمد : إنا أُخيّرك بين قبول أربعة أشياء ، إنّك موجود بلا شكّ ، فهل :
١ ـ صنعت نفسك.
٢ ـ صنعك جاهل عاجز.
٣ ـ صنعك عالم قادر.
٤ ـ لم يصنعك شيء.
فكّر جميل ساعة بماذا يُجيب؟ هل يقول : أنا صنعت نفسي بنفسي ، وهذا باطل مفضوح؟ أم يقول : صنعني شيء جاهل ، وهذا أيضاً مخالف للحقيقة؟ فإنّ التدابير المتّخذة في خلق الإنسان فوق العقول ، فكيف يركّب هذه الأجهزة بهذه الكيفية المحيّرة ، شيء جاهل؟!
أم يقول : لم يصنعني شيء؟ وهو بيّن البطلان ، فإنّ كلّ شيء لابدّ له من صانع.
أم يعترف بأنّه مصنوع لشيء عالم وقادر ، وحينئذ ينهار كلّ ما بناه من الأدلّة ـ المزعومة ـ بعدم وجود الله تعالى.
وبعد فكر طويل ، رفع رأسه وقال : لابدّ لي من الاعتراف ، بأنّي مصنوع لعالم قدير.
أحمد : ومَن هو ذلك العالم القدير؟
جميل : لا أدري.
أحمد : ولكن ذلك واضح معلوم ، لأنّ مَن صنعك ليس من البشر ، فإنّ البشر لا يقدرون على خلق مثلك ، ولا من الجماد ، فانّ الجماد لا عقل له ، إذاً هو الله تعالى.