قوله تعالى : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ؛) أي أعط ذا القربى في الرّحم حقّه من الصّلة والبرّ ، وأعط (وَالْمِسْكِينَ ؛) الذي يطوف على الأبواب حقّه أيضا ، وهو التّصدّق عليه ، وأعط (وَابْنَ السَّبِيلِ ؛) النازل بك حقّه ؛ أي ضيافته ، يعني أكرم الضّيف النازل بك ، (ذلِكَ خَيْرٌ ؛) أي الذي ذكرت من الصّلة والإعطاء والضّيافة خير ، (لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ ؛) يعني رضا الله ؛ أي إعطاء الحرّ أفضل من الإمساك (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣٨) ؛ أي الفائزون السّعداء الباقون في الجنّة ، ومن أعطى أحدا لا يريد به وجه الله ذهب ماله من غير أن يحصل على شيء ، فلذلك قال : (يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ).
قوله تعالى : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ؛) أي ما تعاطيتم من عقد الرّبا رجاء أن تزيدوا أموالكم فلا يزيد في حكم الله ، وعلى الآخذ أن يردّه على المأخوذ منه ، قال الله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا)(١).
قرأ ابن كثير (أتيتم) مقصورا غير ممدود. وقوله تعالى (لِيَرْبُوَا) ، قرأ الحسن ونافع : (لتربو) بتاء مضمومة وجزم الواو على الخطاب ؛ أي لتربو أنتم ، وقرأ الباقون (لِيَرْبُوَا) بياء مفتوحة ونصب الواو ، وجعلوا الفعل للرّبا (٢).
وقوله تعالى : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ ؛) أي ما أعطيتم من صدقة تريدون بها رضا الله ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (٣٩) ؛ الذين يضاعف لهم في العاجل والآجل ، يقال : رجل مضعف ؛ أي ذو أضعاف كما يقال : رجل مقوّي ذو قوّة ، وموسر ؛ أي صاحب يسار.
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما في قوله تعالى (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) : (الرّبا ها هنا هو هبة الرّجل لصاحبه يريد أن يثاب أفضل منه) (٣). وقال السديّ : (هو الهديّة يهديها الرّجل لأخيه يطلب المجازاة (٤) ، فإنّ ذلك لا يربو عند الله ، ولا يؤجر عليه
__________________
(١) البقرة / ٢٧٦.
(٢) ينظر : الحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٢٦٩.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٣٢٠).
(٤) في المخطوط : (المساقاة) والمناسب ما أثبتناه.