قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ ؛) أي قل لهم يا محمّد : (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني الملائكة ، (وَالْأَرْضِ) يعني الناس ، لا يعلم أحد منهم شيئا من الغيب من وقت نزول العذاب وقيام السّاعة وغير ذلك مما غاب عن العباد ، ولا يعلم ذلك إلّا الله عزوجل وحده ، (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (٦٥) ؛ أي ولا يدرون متى يبعثون من القبور ، والأصل في (أَيَّانَ) (أيّ) و (إن) ضمّنا وجعلا أداة واحدة ، قالت عائشة : (من زعم أنّه يعلم ما في غد ، فقد أعظم الفرية على الله تعالى ، قال الله تعالى : (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ)) (١).
قوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ؛) فيه قراءتان ، قرأ الحسن والأعمش وشيبة ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف (بَلِ ادَّارَكَ) بكسر اللام وتشديد الدال ؛ أي تدارك وتتابع عليهم في الآخرة ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) ، (٢) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب ومجاهد (بل أدرك) من الإدراك ؛ أي تبع ولحق (٣) ، كما يقال : أدركه علمي ؛ أي بلغه ولحقه. قال ابن عبّاس : (يريد ما جهلوه في الدّنيا ، وسقط علمه عنهم علموه في الآخرة) (٤).
وقال السديّ : (اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكّوا ولم يختلفوا). وقال مقاتل : (بل علموا في الآخرة حينما عاينوها ما شكّوا فيه وعموا عنه في الدّنيا) (٥). (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها ؛) أي بل هم اليوم في الدّنيا في شكّ من السّاعة ، (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) (٦٦) ؛ جمع عم ، وهو عميّ القلب ، وقيل : معنى (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) متحيّرون بترك التأمّل ، يقال : رجل عمه وعامه وعم ، إذا كان متحيّرا ، وقوم
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح : كتاب الإيمان : باب (٧٧) : الحديث (٢٨٧ / ١٧٧).
(٢) الأعراف / ٣٨.
(٣) ينظر : الحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٢٤٣.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٠٦٠١). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٦٥٤١).
(٥) قاله مقاتل في التفسير : ج ٢ ص ٤٨٢.