ثم بيّن لأيّ معنى يقتله فقال : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ؛) يعني يبدّل عبادتكم إيّاي ، (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) (٢٦) ؛ وأراد ظهور الهدى وتغيّر أحكام فرعون فجعل ذلك فسادا.
قرأ الكوفيّون ويعقوب : (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ) بالألف ، وقرأ نافع وأبو عمرو : (ويظهر) بضمّ الياء وكسر الهاء ، ونصب (الْفَسادَ) ، وقرأ الباقون بفتح الياء والهاء ورفع (الفساد) ، واختار أبو عبيد قراءة نافع وأبو عمرو ، ولأنّها أشبه بما قبلها لإسناد الفعل إلى موسى وعطفه على بدله (١).
قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ ؛) أي لمّا توعّد موسى بالقتل ، قال موسى : إنّي عذت بربي وربكم ، (مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) (٢٧) ، متعظّم عن الإيمان (٢) وعن قبول الحقّ لا يصدّق بيوم القيامة ، استعاذ موسى بالله ممّن أراد به سوء.
قوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ ؛) اختلفوا في هذا المؤمن ، فقال بعضهم : كان قبطيّا من آل فرعون ، غير إنه كان آمن بموسى وكان يكتم إيمانه من فرعون وقومه خوفا على نفسه.
وقال مقاتل والسديّ : (كان ابن عمّ فرعون) (٣) ، وهو الّذي حكى الله عنه (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى)(٤) ، وهذا هو الأشير وكان اسمه حزقيل ، وقيل : حزبيل (٥). وقال بعضهم كان إسرائيليّا ، وتقدير الآية : وقال رجل مؤمن يكتم
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء : ج ٣ ص ٧. وإعراب القرآن لابن النحاس : ج ٤ ص ٢٣. والحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٣٤٩. والجامع لأحكام القرآن : ج ١٥ ص ٣٠٥.
(٢) في المخطوط : (من الايمان).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٣٨٣) ، وقاله مقاتل أيضا في التفسير : ج ٣ ص ١٤٧.
(٤) القصص / ٢٠.
(٥) في الدر المنثور : ج ٧ ص ٢٨٤ ؛ قال السيوطي : (أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : (لم يكن في آل فرعون مؤمن غيره ، وغير امرأة فرعون ، وغير المؤمن