ليس له دعوة في الدّنيا ولا في الآخرة ، قال السديّ : (معناه : لا يستجيب لأحد في الدّنيا ولا في الآخرة) (١) ، والتقدير : ليس له استجابة دعوة. قوله تعالى : (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ ؛) أي وإنّ مرجعنا إليه في الآخرة ، يفصل بين المحقّ والمبطل ، (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ ؛) أي وإنّ المتجاوزين عن الحدّ في الكفر وسفك الدماء بغير الحقّ ، (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (٤٣).
قوله تعالى : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ ؛) أي فستذكرون هذا الذي أقول لكم في الدّنيا من النّصيحة إذا نزل بكم العذاب في الآخرة ، في حين لا ينفعكم الذّكر عليه ، (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ ؛) أي وأترك أمر نفسي إلى الله فأثق به ولا أشتغل بكم ، (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٤٤) ؛ أي بأوليائه وأعدائه.
قوله تعالى : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ؛) وذلك أنّ فرعون أراد أن يقتله فهرب منهم ، فلم يقدروا عليه ، ودفع الله عنه غائلة مكرهم ، (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) (٤٥) ؛ أي نزل بفرعون وقومه أشدّ العذاب ، قال الكلبيّ : (غرقوا في البحر ودخلوا النّار) والمعنى : وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، في الدّنيا الغرق ، وفي الآخرة النار ، فذلك قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ؛) ارتفاع (النَّارُ) على البدل من (سُوءُ الْعَذابِ).
قوله تعالى : (يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) أي صباحا ومساء ، يقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم ، توبيخا ونقمة ، قال ابن مسعود : (إنّ أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النّار كلّ يوم مرّتين) (٢) ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ ، إن كان من أهل الجنّة
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٤١٦) عن السدي ، وأسقطه الناسخ هناك ، وأثبته ابن كثير في التفسير : ج ٤ ص ٨٢ : (قال السدي : لا يجيب داعية لا في الدنيا ولا في الآخرة).
(٢) في الدر المنثور : ج ٧ ص ٢٩١ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه) وذكره. وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٨٤٣٥).