قلت : كيف هو؟ قال : [عظيم ، والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه كعظم السماوات والأرض. فينفخ ثلاث نفخات ؛ النفخة الأولى نفخة الفزع ، والنفخة الثانية نفخة الصعق ، والنفخة الثالثة نفخة القيام لرب العالمين.
فيأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول له : انفخ نفخة الفزع ، فيفزع منها أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله ، ويأمره أن يمدها ويطيلها وهو الذي يقول الله (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ)(١) ، ويسير الله الجبال فتمر مر السحاب فتكون سرابا ، وترج الأرض بأهلها رجا ، فتكون كالسفينة الموثقة في البحر ، تضربها الأمواج وتلقيها الرياح ، وكالقنديل المعلق ترجه الرياح ، وهو قوله تعالى (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ)(٢) فتميد الأرض بالناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ؛ وتضع الحوامل ؛ ويشيب الأطفال ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع ، حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع ، وتولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا وهو قوله تعالى (يَوْمَ التَّنادِ ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ)(٣). فبينما هم كذلك ؛ إذ تصدعت الأرض ، وتصير السماء كالمهل ، وتنشق الأرض وتنشر نجومها وتكسف شمسها وقمرها. ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة الصعق ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله](٤).
وقوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) ، قرأ الأعمش وحمزة وخلف (أَتَوْهُ) مقصورا على الفعل بمعنى جاؤه. وقرأ الباقون بالمد وضم التاء (٥) ، قوله تعالى : (داخِرِينَ) أي صاغرين.
قوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ ؛) أي تحسبها يا محمد واقفة مستقرة فكأنها وتظنها ساكنة لا تتحرك في رأي العين ، وهي
__________________
(١) ص / ١٥.
(٢) النازعات / ٦ ـ ٨.
(٣) غافر / ٣٢ ـ ٣٣.
(٤) أخرجه الطبري بطوله في جامع البيان : مج ١١ ص ٢٣ ـ ٢٤.
(٥) ينظر : الحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٢٤٦.