(وَيُقْتَلُونَ) مجهولا وبالعكس (١) ، فان قتل بعضهم قاتل من بقي منهم (وَعْداً عَلَيْهِ) مصدر مؤكد (حَقًّا) صفته ، أي وعد الله للمجاهدين في سبيله وعدا ثابتا (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) يعني لا في القرآن وحده ، وهذا دليل على أن الجهاد كان في شرائع المتقدمين على هذه الأمة (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) مبتدأ وخبر ، وفيه (٢) استفهام على سبيل الإنكار ، أي ليس أحد أوفى من الله في عهده وشرطه ، وفيه ترغيب في الجهاد أشد ترغيب وأبلغ ، لأن إخلاف الوعد قبيح من كرام المخلوقين ومستحيل من الله الغني الذي لا يجوز عليه فعل القبيح ، ثم قال (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) إعلاما لهم بأنهم ربحوا في تجارتهم ربحا وافرا يدل عليه قوله (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [١١١] أي البيع الذي بايعتم به مع الله هو الثواب الجزيل والنجاة الوافرة يوم القيامة.
(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢))
قوله (التَّائِبُونَ) رفع على المدح بالابتداء والخبر محذوف ، أي هم التائبون ، يعني المؤمنين المذكورين أو (التَّائِبُونَ) مبتدأ والخبر (٣)(الْعابِدُونَ) أي التائبون من الذنوب والكفر والنفاق هم الذين عبدوا الله وحده وأخلصوا له العبادة وحرضوا الناس عليها ، قوله (الْحامِدُونَ) وما بعده من المرفوعات خبر بعد خبر ، أي التائبون على الحقيقة هم الجامعون لهذه الأوصاف وهي العابدون المخلصون الحامدون لله على كل حال من السراء والضراء (السَّائِحُونَ) أي الذين يصومون شهر رمضان ، والسيح في الأصل السير في الأرض وسموا بذلك ، لأن السائح يكون ممنوعا من الشهوات واللذات المطعم والمشرب والمنكح ، قال عليهالسلام : «سياحة أمتي الصوم» (٤) ، وقيل : «هم السائرون لطلب العلم للعمل في مظانه» (٥) أو إلى الغزو في سبيل الله (٦)(الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) في الصلوة المفروضة ، والمراد المحافظون على الصلوات الخمس (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) أي بالتوحيد وبأعمال الخير (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي عن الشرك والنفاق والأعمال الخبيثة في الشرع ، ودخول الواو فيه ليدل على أن السبعة عندهم عقد تام أو هي الواو الداخلة بين الضدين (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) أي العاملون بفرائضه ويداومون عليها (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [١١٢] أي المصدقين العاملين بهذه الشروط أن لهم الجنة وإن لم يجاهدوا.
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣))
قوله (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية نزل نهيا للمؤمنين عن الاستغفار للمشركين ، حين سمع علي بن أبي طالب رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فمنعه عن ذلك ، فقال الرجل ألم يستغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان؟ قال علي رضي الله عنه : فذكرت ذلك للنبي عليهالسلام فأوحي إليه ما جاز للنبي والمؤمنين الاستغفار للمشركين (٧)(وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) أي ذوي قرابة في الرحم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ) أي ظهر (لَهُمْ) أي للمؤمنين (أَنَّهُمْ) أي المشركين (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [١١٣] أي أهل النار بالاستحقاق إذا ماتوا على الكفر ، وعن أبي هريرة أن النبي عليهالسلام قال : «استأذنت ربي أن أستغفر لوالدي فلم يأذن لي واستأنته أن أزور قبرهما فأذن لي» (٨) فنزلت الآية.
__________________
(١) «فيقتلون ويقتلون» : قرأ الأخوان وخلف «فيقتلون» بضم الياء التحتية وفتح التاء الفوقية مبنيا للمفعول ، «ويقتلون» بفتح الياء التحتية وضم التاء الفوقية مبنيا للفاعل ، والباقون بفتح الياء وضم التاء في الأول وبضم الياء وفتح التاء في الثاني. البدور الزاهرة ، ١٤٠.
(٢) مبتدأ وخبر وفيه ، ب س : ـ م.
(٣) محذوف أي هم التائبون يعني المؤمنين المذكورين أو «التائبون» مبتدأ والخبر ، ب س : ـ م.
(٤) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٥) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٣ / ١١٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٢١٥ ؛ والقرطبي ، ٨ / ٢٧٠.
(٦) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ١١٣.
(٧) نقله عن البغوي ، ٣ / ١١٥.
(٨) رواه مسلم ، الجنائز ، ١٠٥ ، ١٠٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٧٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ١١٥.