بالقرآن يا محمد (مِنْ أَنْبائِها) أي من أخبارها وأسباب هلاكها (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الواضحة كالمعجزات وغيرها بحيث لو نظروا فيها نظر عبرة لاهتدوا (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) عند مجيء الرسل بالمعجزات (بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) أي مع تكذيبهم الرسل قبل قيام المعجزة ، فاستوت الحالتان عندهم ولم يؤثر فيهم النصح والوعظ بمجيء الرسل واستمروا على الكفر والتكذيب (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ) أي مثل ختمنا على الكافرين المهلكين قبل ، نختم (عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) [١٠١] من قومك ، فلا يؤمنون لذلك مجازاة لكفرهم.

(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢))

(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) أي عهدا ، ف (مِنْ) زائدة ، أي لم نجد من أكثر من أهلكوا وفاء فيما أمروا به بالرسل أو بما أقروا يوم الميثاق ، لأنهم نقضوا العهد بتكذيب الرسل (وَإِنْ وَجَدْنا) أي وإنا وجدنا (أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) [١٠٢] أي لخارجون عن الطاعة أو تاركين العهد ، ف (إِنْ) مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، والفارق بينها وبين (إِنْ) النافية هو اللام في (لَفاسِقِينَ).

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣))

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد هلاكهم (مُوسى) بن عمران (بِآياتِنا) أي بالمعجزات التسع (إِلى فِرْعَوْنَ) ملك مصر (وَمَلَائِهِ) أي وجنوده وأتباعه ، وكان جبارا ظهر بمصر واستولى عليها بالظلم والكفر ، وهو غير فرعون يوسف في الأصح (فَظَلَمُوا بِها) أي جحدوا بالآيات التسع من موسى ظلما وعلوا (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [١٠٣] أي الكافرين المكذبين بالرسل ، وجملة (كَيْفَ) في محل النصب مفعول «انظر».

(وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥))

ثم عطف على (بَعَثْنا) قوله (وَقالَ مُوسى) حين دخل مع هرون على فرعون (يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [١٠٤] إليك ، قال له فرعون كذبت فقال له موسى (حَقِيقٌ عَلى) مشددا إضافة إلى الياء ، أي واجب على نفسي برسالتي ، ف (حَقِيقٌ عَلى) مبتدأ ، خبره (أَنْ لا أَقُولَ) وقرئ «على» مخففا (١) بمعنى الباء ، أي بأن لا أقول (عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) أي القول الصادق ، فكيف أكذب وأفترى عليه (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي بعلامة ظاهرة دالة على رسالتي إليكم (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [١٠٥] إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم (٢) ولا تستعبدهم ظلما ، لأن فرعون استعبدهم وأخذهم سخرة ، أي من غير أجر.

(قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦))

(قالَ) له فرعون (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) أي بعلامة لنبوتك (فَأْتِ بِها) أي فأظهرها لنا ليصح دعوتك ويثبت صدقك (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [١٠٦] بأنك رسول من الله.

(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨))

(فَأَلْقى عَصاهُ) من يده على الأرض (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [١٠٧] أي حية عظيمة ذكر صفراء لا لبس فيها ففتحت فاها نحو فرعون على سريره ، فهرب منها وهرب الناس ، فصاحوا إلى موسى ونادى فرعون يا موسى خذها عني وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فعادت كما كانت ، وجعل الناس يضحكون مما صنع موسى ، ثم قال له فرعون هل معك غير هذا قال نعم (وَنَزَعَ يَدَهُ) أي أخرجها من جيبه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ

__________________

(١) «حقيق علي» : قرأ نافع بالياء المشددة المفتوحة بعد اللام ، والباقون بألف بعد اللام. البدور الزاهرة ، ١٢١.

(٢) التي هي وطنهم ومولد آبائهم ، س : ـ ب م.