(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (٦١)
العصيان ، ودلت الآية على أنّ طاعة الأمراء واجبة إذا وافقوا الحقّ ، فإذا خالفوه فلا طاعة لهم لقوله عليهالسلام : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) (١) وحكي أنّ مسلمة ابن عبد الملك بن مروان قال لأبي حازم ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله : وأولي الأمر منكم. فقال أبو حازم أليس قد نزعت الطاعة عنكم إذا خالفتم الحق ، بقوله فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله أي القرآن والرسول في حياته وإلى أحاديثه بعد وفاته (ذلِكَ) إشارة إلى الردّ أي الردّ إلى الكتاب والسّنّة (خَيْرٌ) عاجلا (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) عاقبة.
كان بين بشر المنافق ويهودي خصومة ، فدعاه اليهودي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لعلمه أنه لا يرتشي ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ليرشوه ، فاحتكما إلى النبي عليهالسلام فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم إلى عمر ، فقال اليهودي لعمر رضي الله عنه : قضى لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يرض بقضائه ، فقال عمر للمنافق أكذلك ، قال نعم ، فقال عمر مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق ، فقال هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزل :
٦٠ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) وقال جبريل عليهالسلام : إن عمر فرق بين الحق والباطل ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (أنت الفاروق) (٢) (يُرِيدُونَ) حال من الضمير في يزعمون (أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) أي كعب بن الأشرف ، سمّاه الله طاغوتا لإفراطه في الطغيان وعداوة رسول الله عليهالسلام ، أو على التشبيه بالشيطان ، أو جعل اختيار التحاكم إلى غير رسول الله صلىاللهعليهوسلم على التحاكم إليه تحاكما إلى الشيطان بدليل قوله : (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ) عن الحق (ضَلالاً بَعِيداً) مستمرا إلى الموت.
٦١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) للمنافقين (تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) للتحاكم (رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) يعرضون عنك إلى غيرك ليغروه بالرّشوة فيقضي لهم.
__________________
(١) رواه أحمد من طرق عدة وألفاظ متقاربة.
(٢) ذكره الثعلبي من رواية الكلبي عن أبي عاصم عن ابن عباس.