(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥)
الظّرف على طريق الاتساع ، كقولهم : يا سارق اللّيلة أهل الدّار ، أي مالك الأمر كلّه في يوم الدّين ، والتخصيص بيوم الدّين لأن الأمر فيه لله وحده ، وإنّما ساغ وقوعه صفة للمعرفة مع أنّ إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية ، لأنّه أريد به الاستمرار فكانت الإضافة حقيقية فساغ أن يكون صفة للمعرفة ، وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه وتعالى من كونه ربّا أي مالكا للعالمين ، ومنعما بالنّعم كلّها ، ومالكا للأمر كلّه يوم الثواب والعقاب بعد الدّلالة على اختصاص الحمد به في قوله : الحمد لله دليل على أنّ من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحقّ منه بالحمد والثّناء عليه.
٥ ـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) إيّا عند الخليل وسيبويه (١) اسم مضمر ، والكاف حرف خطاب عند سيبويه ولا محل له من الإعراب. وعند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيّا إليه لأنّه يشبه المظهر لتقدّمه على الفعل والفاعل ، وقال الكوفيون : إيّاك بكمالها اسم ، وتقديم المفعول لقصد الاختصاص ، والمعنى نخصّك بالعبادة ، وهي أقصى غاية الخضوع والتّذلّل ، ونخصّك بطلب المعونة ، وعدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات ، وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ، ومن الغيبة إلى التّكلّم كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) (٢) وقوله (٣) : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ) (٤) وقول امرئ القيس :
تطاول ليلك بالأثمد |
|
ونام الخلق (٥) ولم ترقد |
وبات وباتت له ليلة |
|
كليلة ذي العائر الأرمد |
وذلك من نبإ جاءني |
|
وخبرته عن أبي الأسود |
فالتفت في الأبيات الثلاثة (٦) حيث لم يقل ليلي ، وبتّ وجاءه (٧) ، والعرب يستكثرون منه ، ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القلوب (٨)
__________________
(١) سيبويه : عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي ، أبو بشير ، إمام النحاة ولد عام ١٤٨ ه وتوفي عام ١٨٠ ه ، وفي مكان وفاته والسنة التي مات فيها خلاف (الأعلام ٥ / ٨١).
(٢) يونس ، ١٠ / ٢٢.
(٣) في (ظ) كقوله.
(٤) فاطر ، ٣٥ / ٩.
(٥) في (ظ) و(ز) الخليّ.
(٦) في (ظ) الثالث ، وهو خطأ من الناسخ.
(٧) في (ظ) و(ز) جاءك.
(٨) في (ز) القبول.