وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤٧)
مجدوع (بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ) مقطوعة (بِالْأُذُنِ وَالسِّنَ) مقلوعة (بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) أي ذات قصاص وهو المقاصة ، ومعناه ما يمكن فيه القصاص وإلا فحكومة عدل ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت ، وقوله (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) يدلّ على أنّ المسلم يقتل بالذمي والرّجل بالمرأة والحرّ بالعبد. نصب نافع وعاصم وحمزة المعطوفات كلها للعطف على ما عملت فيه أنّ ، ورفعها عليّ للعطف على محل أنّ النفس لأنّ المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس إجراء لكتبنا مجرى قلنا ، ونصب الباقون الكلّ ورفعوا الجروح. والأذن بسكون الذال حيث كان نافع والباقون بضمها ، وهما لغتان كالسّحت والسحت (فَمَنْ تَصَدَّقَ) من أصحاب الحق (بِهِ) بالقصاص وعفا عنه (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) فالتصدق به كفارة للمتصدق بإحسانه قال عليهالسلام : (من تصدق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم ولدته أمه) (١) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) بالامتناع عن ذلك.
٤٦ ـ (وَقَفَّيْنا) لعنى قفيت الشيء بالشيء جعلته في أثره ، كأنه جعل في قفاه ، يقال قفاه يقفوه إذا تبعه (عَلى آثارِهِمْ) على آثار النبيين الذين أسلموا (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً) هو حال من عيسى (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) أي وآتيناه الإنجيل ثابتا فيه هدى ونور ومصدقا ، فنصب مصدقا بالعطف على ثابتا الذي تعلق به فيه ، وقام مقامه فيه ، وارتفع هدى ونور بثابتا الذي قام مقامه فيه (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً) انتصبا على الحال ، أي هاديا وواعظا (لِلْمُتَّقِينَ) لأنهم ينتفعون به.
٤٧ ـ (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) وقلنا لهم احكموا بموجبه ، فاللام لام الأمر ، وأصله الكسر ، وإنما سكّن استثقالا لفتحة وكسرة وفتحة. وليحكم بكسر اللام وفتح الميم حمزة على أنها لام كي ، أي وقفينا ليؤمنوا وليحكم (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن الطاعة ، قال الشيخ أبو منصور رحمهالله : يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاث ، فيكون
__________________
(١) رواه سعيد بن منصور وابن جرير وابن مردويه عن عدي بن ثابت وفيه : (من يوم ولد إلى يوم يموت).