(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) (٨)
مفترى من عنده ، ثم إلى أنه قول شاعر ، وهكذا الباطل لجلج (١) والمبطل رجّاع غير ثابت على قول واحد ، ثم قالوا إن كان صادقا في دعواه وليس الأمر كما يظنّ (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) بمعجزة (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) كما أرسل من قبله باليد البيضاء ، والعصا ، وإبراء الأكمه ، وإحياء الموتى ، وصحة التشبيه في قوله كما أرسل الأولون من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات ، لأنّ إرسال الرّسل متضمن للإتيان بالآيات ألا ترى أنه لا فرق بين قولك أرسل محمد وبين قولك أتى محمد بالمعجزة ، فردّ الله عليهم قولهم بقوله :
٦ ـ (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (أَهْلَكْناها) صفة لقرية عند مجيء الآيات المقترحة ، لأنهم طلبوها تعنتا (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) أي أولئك لم يؤمنوا بالآيات لمّا أتتهم أفيؤمن هؤلاء المقترحون لو أتيناهم بما اقترحوا مع أنهم أعتى منهم؟ والمعنى أنّ أهل القرى المهلكة (٢) اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعهدوا (٣) أنهم يؤمنون عندها ، فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فأهلكهم الله ، فلو أعطينا هؤلاء ما يقترحون لنكثوا أيضا.
٧ ـ (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) هذا جواب قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم (نُوحِي إِلَيْهِمْ) نوحي (٤) حفص (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) العلماء بالكتابين فإنهم يعرفون أنّ الرّسل الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة ، وكان أهل مكة يعتمدون على قولهم (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك. ثم بين أنه كمن تقدّمه من الأنبياء بقوله :
٨ ـ (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً) وحّد الجسد لإرادة الجنس (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) صفة لجسدا ، يعني وما جعلنا الأنبياء قبله ذوي جسد غير طاعمين (وَما كانُوا خالِدِينَ)
__________________
(١) لجلج : اللّجلجة والتلجلج : التردد في الكلام يقال : الحق أبلج والباطل لجلج (مختار الصحاح).
(٢) ليس في (ز) المهلكة.
(٣) في (ز) وعاهدوا.
(٤) في مصحف النسفي يوحى بالياء وفتح الحاء وهو قراءة لذلك قال نوحي حفص أي بالنون وكسر الحاء.