(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) (١٣)
كأنهم قالوا هلّا كان ملكا لا يطعم ويخلد ، إمّا معتقدين أنّ الملائكة لا يموتون أو مسمين بقاءهم الممتد وحياتهم المتطاولة خلودا.
٩ ـ (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) بإنجائهم ، والأصل في الوعد مثل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (١) أي من قومه (فَأَنْجَيْناهُمْ) مما حلّ بقومهم (وَمَنْ نَشاءُ) هم المؤمنون (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) المجاوزين الحدّ بالكفر ، ودل الإخبار بإهلاك المسرفين على أنّ من نشاء غيرهم.
١٠ ـ (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) يا معشر قريش (كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) شرفكم إن عملتم به ، أو لأنه بلسانكم (٢) ، أو فيه ذكر دينكم ودنياكم ، والجملة أي فيه ذكركم ، صفة لكتابا (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنون (٣).
١١ ـ (وَكَمْ) نصب بقوله (قَصَمْنا) أي أهلكنا (مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها بدليل قوله (كانَتْ ظالِمَةً) كافرة وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم ، لأن القصم أفظع الكسر ، وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء ، بخلاف الفصم فإنّه كسر بلا إبانة (وَأَنْشَأْنا) خلقنا (بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) فسكنوا مساكنهم.
١٢ ـ (فَلَمَّا أَحَسُّوا) أي المهلكون (بَأْسَنا) عذابنا ، أي علموا علم حس ومشاهدة (إِذا هُمْ مِنْها) من القرية ، وإذا للمفاجأة ، وهم مبتدأ والخبر (يَرْكُضُونَ) يهربون مسرعين ، والركض ضرب الدابة بالرّجل ، فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب ، أو شبّهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم فقيل لهم :
١٣ ـ (لا تَرْكُضُوا) والقائل بعض الملائكة (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) نعّمتم فيه من الدنيا ولين العيش. قال الخليل : المترف الموسّع عليه عيشه القليل فيه همّه
__________________
(١) الأعراف ، ٧ / ١٥٥.
(٢) زاد في (ظ) و (ز) أو فيه موعظتكم.
(٣) في (ز) فتؤمنوا.
تفسير النسفي ج ٣ / م ٨