(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) (١٧)
(وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) أي يقال لهم استهزاء بهم : ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة ، أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه أمركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتي ونذر كعادة المنعّمين المخدّمين ، أو يسألكم الناس في أنديتكم المعاون في نوازل الخطوب ، أو يسألكم الوافدون عليكم والطّماع ويستمطرون سحاب أكفّكم ، أو قال بعضهم لبعض لا تركضوا وارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالا وخراجا فلا تقتلون ، فنودي من السماء يا لثارات الأنبياء وأخذتهم السيوف فثمّ :
١٤ ـ (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) اعترفوا (١) حين لا ينفعهم الاعتراف.
١٥ ـ (فَما زالَتْ تِلْكَ) هي إشارة إلى يا ويلنا (دَعْواهُمْ) دعاؤهم ، وتلك مرفوع على أنه اسم زالت ، ودعواهم الخبر ، ويجوز العكس (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) مثل الحصيد أي الزرع المحصود ، ولم يجمع كما لم يجمع المقدر (خامِدِينَ) ميتين خمود النار ، وحصيدا خامدين مفعول ثان لجعل ، أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد (٢) والخمود ، كقولك جعلته حلوا حامضا ، أي جعلته جامعا للطّعمين.
١٦ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) اللعب فعل يروق أوّله ولا ثبات له ، ولاعبين حال من فاعل خلقنا ، والمعنى وما سوّينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلق للهو واللعب ، وإنما سوّيناها ليستدلّ بها على قدرة مدبّرها ، ولنجازي المحسن والمسيء على ما تقتضيه حكمتنا ، ثم نزّه ذاته عن سمات الحدوث بقوله :
١٧ ـ (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) أي ولدا ، أو امرأة ، كأنه ردّ على من قال : عيسى ابنه ومريم صاحبته (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) من الولدان أو الحور (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) أي إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا ، وقيل هو
__________________
(١) في (ز) اعترافهم بذلك.
(٢) في (ز) الحصد.