(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (٢١)
نفي كقوله : (وَإِنْ أَدْرِي) (١) أي ما كنا فاعلين.
١٨ ـ (بَلْ نَقْذِفُ) بل إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه منه لذاته ، كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو بل من سنتنا أن نقذف أي نرمي ونسلّط (بِالْحَقِ) بالقرآن (عَلَى الْباطِلِ) الشيطان ، أو بالإسلام على الشرك ، أو بالجدّ على اللعب (فَيَدْمَغُهُ) فيكسره ويدحض الحقّ الباطل ، وهذه استعارة لطيفة لأنّ أصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام ، ثم استعير القذف لإيراد الحقّ على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل ، فالمستعار منه حسي والمستعار له عقليّ ، فكأنه قيل بل نورد الحقّ الشبيه بالجسم القويّ على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله إبطال الجسم القوي الضعيف (فَإِذا هُوَ) أي الباطل (زاهِقٌ) هالك ذاهب (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) الله به من الولد ونحوه.
١٩ ـ (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلقا وملكا فأنى يكون شيء منه ولدا له ، وبينهما تناف ، ويوقف على الأرض لأن (وَمَنْ عِنْدَهُ) منزلة ومكانة لا منزلا ومكانا (٢) يعني الملائكة مبتدأ خبره (لا يَسْتَكْبِرُونَ) لا يتعظّمون (عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) ولا يعيون.
٢٠ ـ (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) حال من فاعل يسبحون أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخلله فترة بفراغ أو بشغل آخر ، فتسبيحهم جار مجرى التنفس منّا. ثم أضرب عن المشركين منكرا عليهم وموبخا فجاء بأم التي بمعنى بل والهمزة فقال :
٢١ ـ (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) يحيون الموتى ، ومن الأرض صفة لآلهة ، لأنّ آلهتهم كانت متّخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر وتعبد في الأرض فنسبت إليها كقولك فلان من المدينة أي مدنيّ ، أو متعلق باتخذوا ويكون فيه بيان ابتداء (٣) غاية الاتخاذ ، وفي قوله هم ينشرون زيادة توبيخ وإن لم يدّعوا
__________________
(١) الأنبياء ، ٢١ / ١٠٩ و ١١١.
(٢) في (ز) ولا مكانا.
(٣) ليس في (ز) ابتداء.