(قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) (٦١)
فثمّ أضرب عنهم مخبرا بأنه جاد فيما قال غير لاعب مثبتا لربوبية الملك العلّام وحدوث الأصنام بقوله :
٥٦ ـ (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) أي التماثيل فأنّى يعبد المخلوق ويترك الخالق (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) المذكور من التوحيد شاهد (مِنَ الشَّاهِدِينَ).
٥٧ ـ (وَتَاللهِ) أصله والله وفي التاء معنى التعجّب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذّره لقوة سلطة نمروذ (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) لأكسرنّها (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم ، قال ذلك سرّا من قومه فسمعه رجل واحد فعرّض بقوله إني سقيم أي سأسقم ليتخلّف ، فرجع إلى بيت الأصنام.
٥٨ ـ (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) قطعا من الجذّ ، وهو القطع جمع جذاذة كزجاجة وزجاج ، جذاذا بالكسر عليّ جمع جذيذ أي مجذوذ كخفيف وخفاف (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) للأصنام أو للكفار ، أي فكسرها كلّها بفأس في يده إلّا كبيرها فعلّق الفأس في عنقه (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ) إلى الكبير (يَرْجِعُونَ) فيسألونه عن كاسرها ، فيتبين لهم عجزه ، أو إلى إبراهيم ليحتجّ عليهم ، أو إلى الله لما رأوا عجز آلهتهم.
٥٩ ـ (قالُوا) أي الكفار حين رجعوا من عيدهم ورأوا ذلك (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي إنّ من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الحقيقة عندهم بالتوقير والتعظيم.
٦٠ ـ (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) الجملتان صفتان لفتى إلّا أنّ الأول وهو يذكرهم أي يعيبهم لا بدّ منه للسمع لأنك لا تقول سمعت زيدا وتسكت حتى تذكر شيئا مما يسمع بخلاف الثاني ، وارتفاع إبراهيم بأنه فاعل يقال ، فالمراد الاسم المسمّى أي الذي يقال له هذا الاسم.
٦١ ـ (قالُوا) أي نمروذ وأشراف قومه (فَأْتُوا بِهِ) أحضروا إبراهيم (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) في محلّ الحال ، بمعنى معاينا مشاهدا أي بمرأى منهم ومنظر (لَعَلَّهُمْ