(وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (٨٨)
والكفل الحظّ (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) أي هؤلاء المذكورون كلّهم موصوفون بالصبر.
٨٦ ـ (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) نبوّتنا ، أو النعمة في الآخرة (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي ممن لا يشوب صلاحهم كدر الفساد.
٨٧ ـ (وَذَا النُّونِ) أي اذكر صاحب الحوت ، والنون الحوت فأضيف إليه (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) حال أي مراغما لقومه ، ومعنى مغاضبته لقومه أنه أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها ، روي أنه برم بقومه لطول ما ذكّرهم فلم يتّعظوا وأقاموا على كفرهم ، فراغمهم وظنّ أنّ ذلك يسوّغ حيث لم يفعله إلا غضبا لله وبغضا للكفر وأهله ، وكان عليه أن يصابر وينتظر الإذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم ، فابتلي ببطن الحوت (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ) نضيّق (عَلَيْهِ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل يوما على معاوية ، فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك ، قال : وما هي يا معاوية؟ فقرأ الآية ، فقال أو يظن نبيّ الله أن لا يقدر عليه؟ قال : هذا من القدر لا من القدرة (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) أي في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت ، كقوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) (١) أو ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت (أَنْ) أي بأنه (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) أو بمعنى أي (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) لنفسي في خروجي من قومي قبل أن تأذن لي ، في الحديث : (ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له) (٢) وعن الحسن : ما نجاه والله إلا إقراره على نفسه بالظلم.
٨٨ ـ (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) غمّ الزّلّة والوحشة والوحدة (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) إذا دعونا واستغاثوا بنا. نجّي شامي وأبو بكر بادغام النون في الجيم عند البعض لأنّ النون لا تدغم في الجيم ، وقيل تقديره نجّي النجاء المؤمنين ، فسكّن الياء تخفيفا وأسند الفعل إلى المصدر ونصب المؤمنين بالنجاء ، لكن فيه إقامة المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول وهذا لا يجوز ، وفيه تسكين الياء وبابه الضرورات ،
__________________
(١) البقرة ، ٢ / ١٧.
(٢) كنز العمال ٢ / ٣٤١٨.