(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣)
وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) الجلد ضرب الجلد ، وفيه إشارة إلى أنه لا يبالغ ليصل الألم إلى اللحم ، والخطاب للأئمة ، لأنّ إقامة الحدّ من الدين ، وهي على الكلّ إلا أنهم لا يمكنهم الاجتماع فينوب الإمام منابهم ، وهذا حكم حرّ ليس بمحصن ، إذ حكم المحصن الرجم ، وشرائط إحصان الرجم الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والتزوّج بنكاح صحيح والدخول وهذا دليل على أنّ التغريب غير مشروع ، لأنّ الفاء إنما يدخل على الجزاء وهو اسم للكافي ، والتغريب المروي منسوخ بالآية ، كما نسخ الحبس والأذى في قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) (١) وقوله (فَآذُوهُما) (٢) بهذه الآية (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) أي رحمة ، والفتح لغة وهي قراءة مكي ، وقيل الرأفة في دفع المكروه والرحمة في إيصال المحبوب ، والمعنى أنّ الواجب على المؤمنين أن يتصلّبوا في دين الله ولا يأخذهم اللين في استيفاء حدوده فيعطلوا الحدود أو يخفّفوا الضرب (فِي دِينِ اللهِ) أي في طاعة الله ، أو حكمه (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه ، وجواب الشرط مضمر أي فاجلدوا ولا تعطّلوا الحدّ (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) وليحضر موضع حدّهما ، وتسميته عذابا دليل على أنه عقوبة (طائِفَةٌ) فرقة يمكن أن تكون حلقة ليعتبروا وانزجر هو (٣) ، وأقلّها ثلاثة أو أربعة ، وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافّة حول شيء ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أربعة إلى أربعين رجلا (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من المصدقين بالله.
٣ ـ (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) أي الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب في خبيثة من شكله أو في مشركة ، والخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أو المشركين ، فالآية تزهيد في نكاح البغايا إذ الزنا عديل الشرك في القبح ، والإيمان قرين العفاف والتحصّن ، وهو نظير قوله : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) (٤) وقيل : كان نكاح الزانية محرما
__________________
(١) النساء ، ٤ / ١٥.
(٢) النساء ، ٤ / ١٦.
(٣) وانزجر هو : أي الزاني.
(٤) تأتي لا حقا الآية ٢٦.