(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٥٤)
بذلوا فيها مجهودهم ، وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها ، وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدّتها ووكادتها (١) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من قال بالله فقد جهد يمينه ، وأصل أقسم جهد اليمين أقسم بجهد اليمين جهدا ، فحذف الفعل وقدّم المصدر فوضع موضعه مضافا إلى المفعول ، كقوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) (٢) وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال جاهدين أيمانهم (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) أي لئن أمرنا محمد بالخروج إلى الغزو لغزونا ، أو بالخروج من ديارنا لخرجنا (قُلْ لا تُقْسِمُوا) لا تحلفوا كاذبين لأنه معصية (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة ، مبتدأ محذوف الخبر ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشكّ فيها ولا يرتاب كطاعة الخلّص من المؤمنين لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) يعلم ما في ضمائركم ولا يخفى عليه شيء من سرائركم وإنه فاضحكم لا محالة ومجازيكم على نفاقكم.
٥٤ ـ (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريق الالتفات وهو أبلغ في تبكيتهم (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) يريد فإن تتولوا فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم ، فإنّ الرسول ليس عليه إلا ما حمّله الله تعالى وكلّفه من أداء الرسالة ، فإذا أدّى فقد خرج عن عهدة تكليفه ، وأما أنتم فعليكم ما كلّفتم من التلقي بالقبول والإذعان ، فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرّضتم نفوسكم لسخط (٣) الله وعذابه (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) أي وإن أطعتموه فيما يأمركم وينهاكم فقد أحرزتم نصيبكم من الهدى ، فالضرر (٤) والنفع عائدان إليكم (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وما على الرسول إلّا أن يبلّغ ما له نفع في قبولكم (٥) ، ولا عليه ضرر في توليكم ، والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية ، والمبين الظاهر لكونه مقرونا بالآيات والمعجزات. ثم ذكر المخلصين فقال :
__________________
(١) وكادتها : الجمع وكائد وهي سيور يشد بها (القاموس ١ / ٣٤٦).
(٢) محمد ، ٤٧ / ٤.
(٣) في (أ) سخط.
(٤) زاد في (ظ) و (ز) في توليكم.
(٥) في (ز) قلوبكم.