(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٥٥)
٥٥ ـ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الخطاب للنبيّ عليه الصلاة والسلام ولمن معه ومنكم للبيان ، وقيل المراد به المهاجرون ، ومن للتبعيض (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي أرض الكفار ، وقيل أرض المدينة ، والصحيح أنه عام لقوله عليه الصلاة والسلام : (ليدخلنّ هذا الدين على ما دخل عليه الليل) (١) (كَمَا اسْتَخْلَفَ) استخلف أبو بكر (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) وليبدلنهم بالتخفيف مكي وأبو بكر (مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) وعدهم الله أن ينصر الإسلام على الكفر ، ويورثهم الأرض ، ويجعلهم فيها خلفاء ، كما فعل ببني إسرائيل حين أورثهم مصر والشام بهد إهلاك الجبابرة ، وأن يمكّن الدين المرتضى وهو دين الإسلام ، وتمكينه تثبيته وتعضيده ، وأن يؤمّن سربهم ، ويزيل عنهم الخوف الذي كانوا عليه.
وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين ولما هاجروا كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى قال رجل ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح ، فنزلت ، فقال عليه الصلاة والسلام : (لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليس معه حديدة) (٢) فأنجز الله وعده ، وأظهرهم على جزيرة العرب ، وافتتحوا أبعد بلاد المشرق والمغرب ، ومزقوا ملك الأكاسرة ، وملكوا خزائنهم ، واستولوا على الدنيا.
والقسم المتلقى باللام ، والنون في ليستخلفنهم محذوف تقديره وعدهم الله وأقسم ليستخلفنهم ، أو نزل وعد الله في التحقق (٣) منزلة القسم يتلقى (٤) بما يتلقى به القسم كأنه (٥) أقسم الله ليستخلفنهم (يَعْبُدُونَنِي) إن جعلته استئنافا فلا محلّ له ، كأنه قيل ما لهم يستخلفون ويؤمّنون؟ فقال : يعبدونني موحدين (٦) ، وإن جعلته حالا عن
__________________
(١) لم أجده.
(٢) الطبري في تفسيره عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، وفي الطبري : محتبيا فيه ، ليس فيه حديدة.
(٣) في (ظ) و (ز) تحققه.
(٤) في (ظ) و (ز) فيتلقى.
(٥) زاد في (ز) قيل.
(٦) زاد في (ز) ويجوز أن يكون حالا بدلا من الحال الأولى.