(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٩)
مصر (إِنِّي آنَسْتُ) أبصرت (ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن حال الطريق لأنه كان قد ضلّه (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ) بالتنوين كوفي ، أي شعلة مضيئة (قَبَسٍ) نار مقبوسة بدل أو صفة. وغيرهم بشهاب قبس على الإضافة لأنه يكون قبسا وغير قبس ، ولا تدافع بين قوله سآتيكم هنا ولعلي آتيكم في «القصص» مع أنّ أحدهما ترجّ والآخر تيقن لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة ، ومجيئه بسين التسويف عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ ، أو كانت المسافة بعيدة ، وبأو لأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا لم يعدم واحدة منهما ، إما هداية الطريق وإما اقتباس النار ، ولم يدر أنه ظافر على النار بحاجتيه الكلّيتين وهما عزّ الدنيا والآخرة ، واختلاف الألفاظ في هاتين السورتين والقصة واحدة دليل على جواز نقل الحديث بالمعنى وجواز الصلاة بالفارسية (١) وجواز النكاح بغير لفظ التزوج (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون بالنار من البرد الذي أصابكم ، والطاء بدل من تاء افتعل لأجل الصاد.
٨ ـ (فَلَمَّا جاءَها) أي النار التي أبصرها (نُودِيَ) موسى (أَنْ بُورِكَ) مخففة من الثقيلة ، وتقديره نودي موسى بأنه بورك ، والضمير ضمير الشأن ، وجاز ذلك من غير عوض وإن منعه الزمخشري ، لأن قوله بورك دعاء والدعاء يخالف غيره في أحكام كثيرة ، أو مفسرة لأنّ في النداء معنى القول ، أي قيل له بورك أي قدّس ، أو جعل فيه البركة والخير (مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) أي بورك من في مكان النار وهم الملائكة ، ومن حول مكانها أي موسى ، لحدوث أمر ديني فيها ، وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) هو من جملة ما نودي فقد نزّه ذاته عما لا يليق به من التشبيه وغيره.
٩ ـ (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الضمير في إنه للشأن والشأن أنا الله مبتدأ وخبر ، والعزيز الحكيم صفتان للخبر ، أو يرجع إلى ما دلّ عليه ما قبله أي إنّ مكلّمك أنا ، والله بيان لأنا ، والعزيز الحكيم صفتان للمبين ، وهو تمهيد لما أراد أن يظهر على يده من المعجزات.
__________________
(١) ليس في (ز) وجواز الصلاة بالفارسية.