(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٥)
١٣ ـ (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا) أي معجزاتنا (مُبْصِرَةً) حال ، أي ظاهرة بينة ، جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لملابستهم إياها بالنظر والتفكّر فيها ، أو جعلت كأنها تبصر فتهدي ، لأنّ الأعمى لا يقدر على الاهتداء فضلا أن يهدي غيره ، ومنه قولهم : كلمة عوراء (١) ، لأنّ الكلمة الحسنة ترشد والسيئة تغوي (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر لمن تأمله ، وقد قوبل بين المبصرة والمبين.
١٤ ـ (وَجَحَدُوا بِها) قيل الجحود لا يكون إلا من علم من الجاحد ، وهذا ليس بصحيح ، لأنّ الجحود هو الإنكار ، وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به ، وقد يكون بعد المعرفة تعنتا ، كذا (٢) في شرح التأويلات وذكر في الديوان (٣) ، يقال جحد حقّه وبحقّه بمعنى ، والواو في (وَاسْتَيْقَنَتْها) للحال ، وقد بعدها مضمرة ، والاستيقان أبلغ من الإيقان (أَنْفُسُهُمْ) أي جحدوها بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم (ظُلْماً) حال من الضمير في وجحدوا ، وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات من عند الله ثم سمّاها سحرا بيّنا (وَعُلُوًّا) تكبرا (٤) ترفّعا عن الإيمان بما جاء به موسى (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) وهو الإغراق هنا والإحراق ثم (٥).
١٥ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا) أي (٦) أعطينا (داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) طائفة من العلم ، أو علما سنيّا غزيرا ، والمراد علم الدين والحكم (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) والآية (٧) حجة لنا على المعتزلة في ترك الأصلح ، وهنا محذوف ليصحّ عطف الواو عليه ، ولو لا تقدير المحذوف لكان الوجه الفاء كقولك أعطيته فشكر ، وتقديره آتيناهما علما فعملا به وعلّماه وعرفا حقّ النعمة فيه وقالا الحمد لله الذي فضلنا ، والكثير المفضّل عليه من لم يؤت علما ، أو من لم يؤت مثل علمهما ، وفيه أنهما فضّلا على كثير وفضّل عليهما كثير ، وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدّم
__________________
(١) في (ظ) و (ز) كلمة عيناء عوراء.
(٢) زاد في (ز) ذكر.
(٣) الديوان : هو كتاب «التبيان في شرح ديوان أبي الطيب المتنبي» لأبي البقاء العكبري (٥٣٨ ـ ٦١٩ ه).
(٤) ليس في (ز) تكبرا.
(٥) في (ظ) و (ز) ثمة.
(٦) ليس في (ظ) و (ز) أي.
(٧) في (ز) والآيات.