(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦)
حملته وأهله ، وأن نعمة العلم من أجلّ النّعم وأنّ من أوتيه فقد أوتي فضلا على كثير من عباده ، وما سمّاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم (ورثة الأنبياء) (١) إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوّام بما بعثوا من أجله ، وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أوتوه ، وإن يعتقد العالم أنه إن فضّل على كثير فقد فضّل عليه مثلهم ، وما أحسن قول عمر رضي الله عنه : كل الناس أفقه من عمر (٢) ، رضي الله عنه.
١٦ ـ (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ورث منه النبوة والملك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر ، قالوا أوتي النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) تشهيرا لنعمة الله تعالى واعترافا بمكانها ، ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير ، والمنطق كلّ ما يصوّت به من المفرد والمؤلّف المفيد وغير المفيد ، وكان سليمان عليهالسلام يفهم منها كما يفهم بعضها من بعض. روي أنه صاحت «فاختة» فأخبر أنها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا ، وصاح «طاوس» ، فقال : يقول : كما تدين تدان ، وصاح «هدهد» ، فقال : يقول : استغفروا الله يا مذنبون (٣) ، وصاح «خطاف» ، فقال : يقول : قدّموا خيرا تجدوه ، وصاحت «رخمة» ، فقال : تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه ، وصاح «قمري» ، فأخبر أنه يقول : سبحان ربي الأعلى ، وقال : «الحدأة» تقول : كلّ شيء هالك إلّا الله. و «القطاة» تقول : من سكت سلم. و «الديك» يقول : اذكروا الله يا غافلون (٤) ، و «النسر» يقول : يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت ، و «العقاب» يقول : في البعد من الناس أيسر (٥) ، و «الضفدع» يقول : سبحان ربي القدوس (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) المراد به كثرة ما أوتي ، كما تقول فلان يعلم كلّ شيء ، ومثله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِ
__________________
(١) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي الدرداء ، قال الإمام الحوت : رواه جمع وصححه الحاكم وابن حبان (أسنى المطالب ص ٢٠٧).
(٢) رواه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم والدارمي وابن أبي شيبة والطبراني كلهم من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء ، ورواه أبو يعلى وسنده جيد وعند البيهقي منقطع.
(٣) في (ز) مذنبين.
(٤) في (ز) غافلين.
(٥) في (ظ) و (ز) أنس.