(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) (٧١)
أي ليس لهم أن يختاروا على الله شيئا ما وله الخيرة عليهم ، ولم يدخل العاطف في ما كان لهم الخيرة لأنه بيان لقوله ويختار ، إذ المعنى أنّ الخيرة لله وهو أعلم بوجوه الحكمة في أفعاله ، فليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ، ومن وصل على معنى ويختار الذي لهم فيه الخيرة فقد أبعد ، بل ما لنفي اختيار الخلق تقريرا لاختيار الحقّ ، ومن قال معناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح فهو مائل إلى الاعتزال. والخيرة من التخير يستعمل بمعنى المصدر وهو التخيّر ، وبمعنى المتخيّر كقولهم محمد خيرة الله من خلقه (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي الله بريء من إشراكهم ، وهو منزّه عن أن يكون لأحد عليه اختيار.
٦٩ ـ (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُ) تضمر (صُدُورُهُمْ) من عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحسده (وَما يُعْلِنُونَ) من مطاعنهم فيه ، وقولهم هلّا اختير عليه غيره في النبوة.
٧٠ ـ (وَهُوَ اللهُ) وهو المستأثر بالإلهية المختصّ بها (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تقرير لذلك ، كقولك القبلة الكعبة لا قبلة إلا هي (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى) الدنيا (وَالْآخِرَةِ) هو قولهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) (١) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) (٢) (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣) والتحميد ثمّ على وجه اللذة لا الكلفة (وَلَهُ الْحُكْمُ) القضاء بين عباده (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالبعث والنشور. وبفتح التاء وكسر الجيم يعقوب.
٧١ ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أريتم بحذف (٤) الهمزة عليّ (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) هو مفعول ثان لجعل أي دائما ، من السرد وهو المتابعة ، ومنه قولهم في الأشهر الحرم : ثلاثة سرد وواحد فرد ، والميم مزيدة ، ووزنه فعمل (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) والمعنى أخبروني من يقدر على هذا.
__________________
(١) فاطر ، ٣٥ / ٣٤.
(٢) الزمر ، ٣٩ / ٧٤.
(٣) الزمر ، ٣٩ / ٧٥.
(٤) في (ظ) و (ز) محذوف.