(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٨٥)
سمعت بذكرها وبلغك وصفها ، وقوله (نَجْعَلُها) خبر تلك ، والدار نعتها (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) بغيا ابن جبير ، وظلما الضحاك (١) ، (وَلا فَساداً) عملا بالمعاصي ، أو قتل النفس ، أو دعاء إلى عبادة غير الله ، ولم يعلّق الموعد بترك العلوّ والفساد ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما ، كما قال : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (٢) فعلّق الوعيد بالركون ، وعن علي رضي الله عنه أنّ الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها (٣) ، وعن الفضيل أنه قرأها ثم قال : ذهبت الأماني ههنا ، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يرددها حتى قبض وقال بعضهم : حقيقته التنفير عن متابعة فرعون وقارون متشبثا بقوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) (٤) (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) (٥) (وَالْعاقِبَةُ) المحمودة (لِلْمُتَّقِينَ).
٨٤ ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) مر في النمل (٦) (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) معناه فلا يجزون ، فوضع الذين عملوا السيئات موضع الضمير ، لأنّ في إسناد عمل السيئة إليهم مكررا فضل تهجين بحالهم (٧) وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) إلا مثل ما كانوا يعملون ، ومن فضله العظيم أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة.
٨٥ ـ (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه (لَرادُّكَ) بعد الموت (إِلى مَعادٍ) أيّ معاد ، وإلى معاد ليس لغيرك من البشر فلذا نكّره ، أو المراد به مكة ، والمراد ردّه إليها يوم الفتح لأنها كانت في ذلك اليوم معادا له شأن ومرجعا له اعتداد لغلبة رسول الله وقهره لأهله (٨) ولظهور عزّ الإسلام وأهله وذلّ الشرك وحزبه ، والسورة مكية ولكن هذه الآية نزلت بالجحفة لا بمكة ولا بالمدينة حين اشتاق إلى مولده ومولد آبائه. ولما وعد رسوله الردّ إلى معاده قال
__________________
(١) زاد في (ظ) و (ز) أو كبرا.
(٢) هود ، ١١ / ١١٣.
(٣) الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه : فيدخل في قوله (تِلْكَ الدَّارُ) الآية.
(٤) القصص ، ٢٨ / ٤.
(٥) القصص ، ٢٨ / ٧٧.
(٦) الآية ٨٩ أي تفسيرها.
(٧) في (ز) لحالهم.
(٨) في (ز) لأهلها.