(وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨)
الصالح الذي يصدّق رجاءه ويحقق أمله (وَهُوَ السَّمِيعُ) لما يقوله عباده (الْعَلِيمُ) بما يفعلونه ، فلا يفوته شيء ما ، وقال الزّجّاج : من للشرط ويرتفع بالابتداء وجواب الشرط فإنّ أجل الله لآت كقولك إن كان زيد في الدار فقد صدق الوعد.
٦ ـ (وَمَنْ جاهَدَ) نفسه بالصبر على طاعة الله ، أو الشيطان بدفع وساوسه ، أو الكفار (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) لأنّ منفعة ذلك ترجع إليها (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) وعن طاعتهم ومجاهدتهم ، وإنما أمر ونهى رحمة لعباده.
٧ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي الشرك والمعاصي بالإيمان والتوبة (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام.
٨ ـ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) وصّى حكمه حكم أمر في معناه وتصرّفه ، يقال وصّيت زيدا بأن يفعل خيرا ، كما تقول أمرته بأن يفعل ، ومنه قوله تعالى (١) (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) (٢) أي وصّاهم بكلمة التوحيد وأمرهم بها ، وقولك : وصيت زيدا بعمرو معناه وصيته بتعهّد عمرو ومراعاته ونحو ذلك ، وكذلك معنى قوله ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وصيناه بإيتاء والديه حسنا ، أو بإيلاء والديه حسنا أي فعلا ذا حسن ، أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه كقوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٣) ويجوز أن يجعل حسنا من باب قولك زيدا بإضمار اضرب إذا رأيته متهيئا للضرب فتنصبه بإضمار أولهما ، أو افعل بهما حسنا (٤) ، لأن التوصية بهما دالّة عليه وما بعده مطابق له ، كأنه قال قلنا أولهما معروفا ولا تطعهما في الشرك إذا حملاك عليه ، وعلى هذا التفسير إن وقف على بوالديه وابتدىء حسنا حسن الوقف ، وعلى التفسير الأول لا بدّ من إضمار القول ، معناه وقلنا (وَإِنْ جاهَداكَ) أيها الإنسان (لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي لا علم لك بإلهيته ، والمراد بنفي العلم نفي المعلوم ، كأنه قال لتشرك
__________________
(١) ليس في (ظ) و (ز) تعالى.
(٢) البقرة ، ٢ / ١٣٢.
(٣) البقرة ، ٢ / ٨٣.
(٤) ليس في (ظ) و (ز) حسنا.