وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً) (١٨)
(تَلَبَّثُوا بِها) بإجابتها (إِلَّا يَسِيراً) ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف ، أو ما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا فإنّ الله يهلكهم ، والمعنى أنهم يتعلّلون بإعوار بيوتهم ليفرّوا عن نصرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، وعن مصافّة الأحزاب الذين ملئوهم هولا ورعبا ، وهؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر ، وقيل لهم كونوا على المسلمين لسارعوا إليه وما تعلّلوا بشيء وما ذلك إلا لمقتهم الإسلام وحبّهم الكفر.
١٥ ـ (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أي بنو حارثة من قبل الخندق ، أو من قبل نظرهم إلى الأحزاب (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) منهزمين (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) مطلوبا مقتضى حتى يوفى به.
١٦ ـ (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي إن كان حضر أجلكم لم ينفعكم الفرار وإن لم يحضر وفررتم لم تمتّعوا في الدنيا إلا قليلا ، وهو مدة أعماركم ، وذلك قليل ، وعن بعض المروانيّة (١) أنه مرّ بحائط مائل فأسرع ، فتليت له هذه الآية فقال : ذلك القليل نطلب.
١٧ ـ (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ) أي مما أراد الله إنزاله بكم (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) في أنفسكم من قتل أو غيره (أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) أي إطالة عمر في عافية وسلامة ، أي من يمنع الله من أن يرحمكم إن أراد بكم رحمة ، لما في العصمة من معنى المنع (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) ناصرا.
١٨ ـ (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) أي من يعوّق عن نصرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أي يمنع ، وهم المنافقون (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ) في الظاهر من المسلمين (هَلُمَّ إِلَيْنا) أي
__________________
(١) المروانية : نسبة إلى أحد رجلين : مروان بن الحكم وهو والد المروانية وإليه ينسبون وكذلك جميع الخلفاء المروانية تنسب إليه ، والثاني مروان بن غيلان بن خرشة الضبي (الأنساب ٥ / ٢٦٤).