(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) (٤٩)
الحقّ وتخلّصتم وهي أن تقوموا (لِلَّهِ) أي لوجه الله خالصا لا لحمية وعصبية (١) بل لطلب الحقّ (مَثْنى) اثنين اثنين (وَفُرادى) فردا فردا (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وما جاء به ، أما الاثنان فيتفكّران ويعرض كلّ واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه نظر الصدق والإنصاف حتى يؤديهما النظر الصحيح إلى الحقّ ، وكذلك الفرد يتفكّر في نفسه بعدل ونصفة ويعرض فكره على عقله ، ومعنى تفرّقهم مثنى وفرادى أنّ الاجتماع مما يشوش الخواطر ، ويعمي البصائر ، ويمنع من الروية ، ويقلّ الإنصاف به ويكثر الاعتساف ويثور عجاج التعصب ، ولا يسمع إلا نصرة المذهب ، وتتفكروا معطوف على تقوموا (ما بِصاحِبِكُمْ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (مِنْ جِنَّةٍ) جنون ، والمعنى ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنّة (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) قدّام عذاب شديد ، وهو عذاب الآخرة ، وهو كقوله عليهالسلام : (بعثت بين يدي الساعة) (٢). ثم بيّن أنه لا يطلب أجرا على الإنذار بقوله :
٤٧ ـ (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) على إنذاري وتبليغي الرسالة (فَهُوَ لَكُمْ) جزاء الشرط تقديره أيّ شيء سألتكم من أجر ، كقوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) (٣) ومعناه نفي مسألة الأجر رأسا ، نحو ما لي في هذا فهو لك ، أي ليس لي فيه شيء (إِنْ أَجْرِيَ) مدني وشامي وأبو بكر وحفص ، وبسكون الياء غيرهم (إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فيعلم أني لا أطلب الأجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلّا منه.
٤٨ ـ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) بالوحي ، والقذف توجيه السهم ونحوه بدفع واعتماد ، ويستعار لمعنى الإلقاء ، ومنه : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) (٤) (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) (٥) ومعنى يقذف بالحقّ يلقيه وينزله إلى أنبيائه ، أو يرمي به الباطل فيدمغه ويزهقه (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) مرفوع على البدل من الضمير في يقذف ، أو على أنه خبر مبتدإ محذوف.
٤٩ ـ (قُلْ جاءَ الْحَقُ) الإسلام أو القرآن (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) أي زال
__________________
(١) في (ظ) و (ز) ولا عصبية.
(٢) رواه أحمد ، كنز العمال ٤ / ١٠٥٢٨.
(٣) فاطر ، ٣٥ / ٢.
(٤) الأحزاب ، ٣٣ / ٢٦. الحشر ، ٥٩ / ٢.
(٥) طه ، ٢٠ / ٣٩.