(... وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)(١).
فوجد نوح عليهالسلام وحزن وتسائل ، فنادى ربّه من وجده قائلا : ربّ إنّ ابني من أهلي ، وإنّ وعدك الحقّ ، وعدتني بإنجاء أهلي وأنت أحكم الحاكمين ، لا تجور في حكمك ، ولا تجهل في قضائك ، فما الذي جرى على ابني؟ فأخذته العناية الإلهية ، وحالت بينه وبين أن يصرّح بالسؤال في نجاة ابنه ـ وهو سؤال لما ليس له به علم ـ وأوحى الله اليه : يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح ، فإياك أن تواجهني فيه بسؤال النجاة ، فيكون سؤالا فيما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين.
فانكشف الأمر لنوح عليهالسلام والتجأ إلى ربه ـ تعالى ـ قائلا : (... رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ...)(٢) أسألك أن تشملني بعنايتك ، وتستر علي بمغفرتك ، وتعطف علي برحمتك ، ولو لا ذلك لكنت من الخاسرين (٣).
__________________
(١) هود : ٣٧.
(٢) هود : ٤٧.
(٣) يوجد هنا بحثان تناولهما المفسرون حول حادثة ابن نوح :
الأوّل : أنّ ابن نوح هل كان ولده حقيقة كما هو ظاهر الآية ، أو إنّه ابن زوجته من رجل آخر ، فهو ربيبه ، كما تشير إلى ذلك بعض القراءات المروية (ابنها) وبعض الروايات ، أو إنّه ابن فراشه ، وإنّ زوجته قد خانته بذلك ، كما وصفها القرآن الكريم بالخيانة في سورة التحريم.
والصحيح : هو ما ذكرناه تمسكا بظاهر الآية الكريمة ، وأصالة القرآن في مقابل الروايات.
الثاني : أنّ نوحا هل سأل ربه نجاة ولده في قوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) مع أنّه كان كافرا ، وقد دعا ربه أن لا يذر على الارض من الكافرين ديارا أو إنّه لم يكن يعرف كفر ولده ؛ لأنّه كان منافقا ، أو انّه ظنّ أنّ الله ـ تعالى ـ سوف يهديه في آخر لحظة بسبب الوعد الإلهي له بالنجاة. أو أنّ نوحا لم يسأل ربه ذلك ، وإنّما سأل تفسير هذه الحادثة التي فوجئ بها ؛ لأنّه كان يظن نجاة ولده بسبب الوعد الالهي؟! إلى غير ذلك من الاسئلة التي تثار حول هذا الموضوع وترتبط بالعصمة الإلهية.
وقد تناول هذا الموضوع العلّامة الطباطبائي وغيره بالبحث. راجع الميزان ١٠ : ٢٣٢ ـ ٣٣٨.