ومضافا إلى ذلك نجد إبراهيم عليهالسلام يتخذ عدّة خطوات في تأسيس هذه الملّة الجديدة وتشخيص معالمها.
٣ ـ وكانت الخطوة الاولى ـ على ما يبدو من القرآن الكريم ـ لتأسيس هذه الملّة والشريعة الجديدة هو : القرار بجعل منطقة مكّة التي كان قد أسكن إبراهيم فيها زوجه هاجر وذريّته إسماعيل مثابة للناس وأمنا لهم يعبدون الله فيه ، ويقيمون الصلاة لله تعالى وحده ، ويجتنبون فيه عبادة الأصنام التي كانت عبادة رائجة في كلّ مكان من العالم.
وكانت أرضية تنفيذ هذا القرار الإلهي مهيأة من ناحية أنّ هذه الأرض هي الأرض التي كان قد بنى فيها آدم ، واتخذ الملائكة بالأمر الإلهي مكانا فيه للعبادة. وجاء إبراهيم ليحيي هذه السنة التاريخية ، وهذا الأثر الإلهي العظيم (١).
__________________
(١) ورد في روايات أهل البيت عليهمالسلام ما يؤكد هذا البعد التاريخي الذي أشار إليه القرآن الكريم وشرحه. البحار ١٢ : ٩٧ ـ ١٠٠ ، عن تفسير القمي. «فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم أن يبني البيت ، فقال : يا ربّ في أي بقعة؟ قال : في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم ، فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح ، فلمّا غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة ، وغرقت الدنيا إلّا موضع البيت ، فسميت البيت العتيق ؛ لأنّه اعتق من الغرق ، فلمّا أمر الله ـ عزوجل ـ إبراهيم أن يبني البيت ، ولم يدر في أي مكان يبنيه ، فبعث الله جبرئيل (ع) فخط له موضع البيت ، فأنزل الله عليه القواعد من الجنة ، وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج ، فلمّا لمسته أيدي الكفار اسودّ ، فبنى إبراهيم البيت ، ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى ، فرفعه إلى السماء تسعة أذرع ؛ ثم دلّه على موضع الحجر ، فاستخرجه إبراهيم ، ووضعه في موضعه الذي هو فيه الأوّل ، وجعل له بابين : باب إلى المشرق ، وباب إلى المغرب ، والباب الذي إلى المغرب يسمّى المستجار ، ثم ألقى عليه الشجر والاذخر ، وعلّقت هاجر على بابه كساء كان معها ، وكانوا يكنون تحته ...».