للمسلمين قد يؤدّي إلى فهم خاطئ للمفهوم المراد إعطاؤه للامة ، فيفهم انحصاره في نطاق الواقعة التي عاشتها القصّة وظروفها الخاصّة ، فتأتي القصّة الواحدة في القرآن الكريم مكررة من أجل تفادي هذا الحصر والتضييق في المفهوم ، وتأكيد شموله واتّساعه لكلّ الوقائع والأحداث المشابهة ؛ ليتّخذ صفة القانون الأخلاقي أو التاريخي الذي ينطبق على كلّ الوقائع والأحداث.
الثالث : أنّ التكرار يكون سببا في فاعلية القصّة كمنبّه للامّة على علاقة القضية الخارجية التي تواجهها ـ في عصر النزول أو بعده ـ بالمفهوم الإسلامي ؛ لتستمدّ منه روحه ومنهجه ، فيكون تكرار القصّة بيانا للمنبّه عند الحاجة إليه.
ولعلّ هذا السبب والسبب الذي قبله هو ما يمكن أن نلاحظه في تكرار قصّة موسى ، والفرق بين روحها العامة في القصص المكّي وروحها في القصص المدنيّ ، فإنّها تؤكّد في القصص المكّي منها على العلاقة العامة بين موسى من جانب وفرعون وملائه من جانب آخر ، دون أن تذكر أوضاع بني إسرائيل تجاه موسى نفسه ، إلّا في موردين يذكر فيهما انحراف بني إسرائيل عن العقيدة الإلهيّة بشكل عام ، وهذا بخلاف الروح العامة لقصّة موسى في السور المدنية ؛ فإنّها تتحدّث عن علاقة موسى مع بني إسرائيل ، وتتحدّث عن هذه العلاقة وارتباطها بالمشاكل الاجتماعية والسياسية.
وهذا قد يدلّنا على أنّ هذا التكرار للقصّة في السور المكية إنّما كان لمعالجة روحية تتعلق بحوادث مختلفة واجهت النبي والمسلمين ، ومن أهداف هذه المعالجة توسعة نطاق المفهوم العام الذي تعطيه قصّة موسى في العلاقة بين النبي والجبارين من قومه ، أو القوانين التي تحكم هذه العلاقة ، وأنّ هذه العلاقة مع نهايتها لا تختلف فيها حادثة عن حادثة أو موقف عن موقف.