(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦))
(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (٤٩) ، من إلهكما الذي أرسلكما.
(قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠) ، قال الحسن وقتادة : أعطى كل شيء صلاحه ثم هداه لما يصلحه. وقال مجاهد : أعطى كل شيء صورته ، لم يجعل خلق الإنسان كخلق البهائم ، ولا خلق البهائم كخلق الإنسان ثم هداه إلى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح. وقال الضحاك : أعطى كل شيء خلقه يعني اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع. وقال سعيد بن جبير : أعطى كل شيء خلقه يعني زوج الإنسان المرأة ، والبعير الناقة والفرس الرمكة والحمار الأتان ، (ثُمَّ هَدى) أي ألهمه كيف يأتي الذكر الأنثى.
(قالَ) فرعون ، (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ، ومعنى البال الحال ، أي ما حال القرون الماضية والأمم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود فيما تدعونني إليه (١) فإنها كانت تعبد الأوثان وتنكر البعث.
(قالَ) ، موسى ، (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) ، أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها. وقيل : إنما رد موسى علم ذلك إلى الله لأنه لم يعلم ذلك ، فإن التوراة أنزلت إليه بعد هلاك فرعون وقومه. (فِي كِتابٍ) ، يعني في اللوح المحفوظ ، (لا يَضِلُّ رَبِّي) ، أي لا يخطئ. وقيل : لا يغيب عنه شيء ولا يغيب عن شيء ، (وَلا يَنْسى) ، ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم وقيل : لا ينسى أي لا يترك الانتقام فينتقم من الكافر ويجازي المؤمن.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) ، قرأ أهل الكوفة : (مَهْداً) ، هاهنا وفي الزخرف [١٠] فيكون مصدرا أي فرشا ، وقرأ الآخرون : «مهادا» ، كقوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) (٦) [النبأ : ٦] أي فراشا وهو اسم [لما](٢) يفرش كالبساط اسم لما يبسط ، (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) السلك إدخال الشيء في الشيء والمعنى أدخل في الأرض لأجلكم طرقا تسلكونها. قال ابن عباس : سهل (٣) لكم فيها طرقا تسلكونها ، (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) ، يعني المطر. تم الإخبار عن موسى ، ثم أخبر الله عن نفسه بقوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ) ، بذلك الماء (أَزْواجاً) ، أصنافا ، (مِنْ نَباتٍ شَتَّى) ، مختلف الألوان والطعوم والمنافع من أبيض وأحمر وأخضر وأصفر ، فكل صنف منها زوج ، فمنها الناس ومنها الدواب (٤).
(كُلُوا وَارْعَوْا) أي وارتعوا ، (أَنْعامَكُمْ) ، تقول العرب : رعيت (٥) الغنم فرعت أي أسيموا أنعامكم
__________________
(١) في المخطوط «تدعوني إليها».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «سلك».
(٤) في المطبوع «للناس ـ للدواب».
(٥) في المطبوع «رعيتم».