ترعى ، (إِنَّ فِي ذلِكَ) ، الذي ذكرت ، (لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) ، لذوي العقول ، واحدتها نهية سميت نهية لأنها تنهى صاحبها عن القبائح والمعاصي. قال الضحاك : لأولي النهى الذين ينتهون عمّا حرّم الله عليهم ، قال قتادة : لذوي الورع.
(مِنْها) أي من الأرض ، (خَلَقْناكُمْ) ، يعني أباكم آدم. وقال عطاء الخراساني : إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن [فيه](١) فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة فذلك قوله تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ) ، أي عند الموت والدفن ، (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) ، يوم البعث.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) ، يعني فرعون ، (آياتِنا كُلَّها) ، يعني الآيات التسع التي أعطاها الله موسى ، (فَكَذَّبَ) ، بها وزعم أنها سحر ، (وَأَبى) ، أن يسلم.
(قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١))
(قالَ) ، يعني فرعون (أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا) ، يعنى أرض مصر ، (بِسِحْرِكَ يا مُوسى) ، أي أتريد أن تغلب على ديارنا فيكون لك الملك وتخرجنا منها.
(فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً) ، أي فاضرب بيننا وبينك أجلا وميقاتا ، (لا نُخْلِفُهُ) ، قرأ أبو جعفر (لا نُخْلِفُهُ) جزما لا نجاوزه ، (نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) ، قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب : (سُوىً) بضم السين ، وقرأ الآخرون بكسرها وهما لغتان مثل عدى وعدى وطوى وطوى ، قال مقاتل وقتادة : مكانا عدلا بيننا وبينك. وعن ابن عباس : نصفا ، ومعناه تستوي [فيه](٢) مسافة الفريقين إليه. قال أبو عبيدة والقتيبي : وسطا بين الفريقين. قال مجاهد : منصفا. وقال الكلبي : يعني سوى هذا المكان.
(قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) ، قال مجاهد وقتادة ومقاتل والسدي : كان يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون في كل سنة. وقيل : هو يوم النيروز. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : يوم عاشوراء ، (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) ، أي وقت الضحوة نهارا وجهارا ليكون [أبعد](٣) من الريبة.
(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) ، مكره وحيلته وسحرته ، (ثُمَّ أَتى) ، إلى الميعاد.
(قالَ لَهُمْ مُوسى) ، يعني للسحرة الذين جمعهم فرعون وكانوا اثنين وسبعين ساحرا مع كل واحد حبل وعصا. وقيل : كانوا أربعمائة. وقال كعب [الأحبار](٤) : كانوا اثني عشر ألفا. وقيل : أكثر من ذلك ، (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص : (فَيُسْحِتَكُمْ) بضم الياء وكسر الحاء ، وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء وهما لغتان. قال مقاتل والكلبي : فيهلككم. وقال قتادة : فيستأصلكم ، (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى).
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.