(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢))
(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) ، واختلفوا في العذاب الذي أوعده به ، فأظهر الأقاويل [أن عذابه](١) أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطا لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض. وقال مقاتل بن حيان : لأطلينّه بالقطران ولأشمسنّه وقيل : لأودعنّه القفص. وقيل : لأفرقن بينه وبين ألفه. وقيل : لاحبسنّه مع ضده. (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) [أي](٢) لأقطعن حلقه ، (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ، بحجة بينة في غيبته ، وعذر ظاهر ، قرأ ابن كثير «ليأتيني» بنونين الأولى مشددة ، وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة ، وكان سبب غيبته على ما ذكر العلماء أن سليمان لما فرغ من بناء بيت المقدس عزمه على الخروج إلى أرض الحرم [المكي](٣) ، فتجهز للمسير واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ ، فحملته الريح فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم ، وكان ينحر كل يوم مقامه بمكة خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف كبش (٤) ، وقال لمن حضره من أشراف قومه إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا [يخرج آخر الزمان](٥) يعطى النصر على جميع من ناوأه ، وتبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحق سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، قالوا : فبأي دين يدين يا نبي الله؟ قال : يدين بدين الحنيفية البيضاء ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، قالوا : كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال : مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فإنه سيّد الأنبياء وخاتم الرسل ، قال : فأقام [سليمان](٦) بمكة حتى قضى نسكه ، ثم خرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال ، وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى ، فلما نزل قال الهدهد : إن سليمان قد اشتغل بالنزول فأرتفع نحو السماء فانظر (٧) إلى طول الدنيا وعرضها ، ففعل ذلك فنظر يمينا وشمالا فرأى بستانا لبلقيس ، فمال إلى الخضرة [والرياحين](٨) فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه وكان اسم هدهد سليمان يعفور واسم هدهد اليمن يعفير (٩) فقال يعفير اليمن ليعفور سليمان : من أين أقبلت وأين تريد ، قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود ، فقال : ومن سليمان ، قال ملك الجن والإنس ، الشياطين والطير والوحش والرياح ، فمن أين أنت ، قال : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها قال : امرأة يقال لها بلقيس ، وإن لصاحبكم ملكا عظيما ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها ملكة اليمن كلها وتحت يدها اثنا عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل ، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها ، قال : أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء [فأي دليل مائه](١٠) ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها ، وما رجع إلى سليمان إلا في وقت العصر ، قال : فلما نزل سليمان ودخل عليه وقت الصلاة وكان نزل على غير ماء ، فسأل الإنس والجن والشياطين عن الماء فلم يعلموا
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «شاه».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «لينظر».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) في المخطوط ـ ب ـ «عنفير».
(١٠) زيادة عن المخطوط.